بقلم د. بشار عيسى / سورية
المُتعلمون في مُقتبل العمر يسعون إلى تقوية ذاكرتهم حتى يتمكنوا من مجاراة كمية المعلومات التي يكتسبونها كون ذاكرة الإنسان تنوء بما يتدفق عليها في هذا الوقت الحالي فيبرز الإحساس بمشكلة النسيان ، و في عصر التكنولوجيا و المعلومات يَطلع الناس على المعارف المُتنوعة عبر وسائل الإعلام و شبكات الإنترنت و مواقع التواصل الاجتماعي و لذا فالمرء يحتاج وسط هذا البحر الهائج من الأحداث و المُستجدات إلى ذاكرة نشطة تستطيع تذكر و استرجاع أية معلومة مطلوبة في وقت قياسي مُناسب يُساعد الإنسان على الوفاء بالتزاماته و القيام بارتباطاته المهمة ، و من المعلوم بأن الشخص الراغب في الحفاظ على ذاكرة حادة و متوقدة عليه الابتعاد عن الضغوط النفسية و أخذ قسط من الراحة و النوم لفترات كافية و مناسبة لأن عمل المخ يحتاج إلى دورة دموية سليمة و كذلك فإن الحفاظ على صحة القلب له تأثير حيوي و إيجابي على صحة العقل أيضاً ، و لا يخفى بأن البرامج التدريبية الخاصة بالذاكرة و المُصممة بتقنية عالية و حديثة تسعى إلى تدريب المرء على قوة المُلاحظة و تكرار المعلومات المهمة و إيجاد ترابط بينها و بين المعلومات التي سبقتها حتى يتسنى حفظها و استرجاعها بيسر و سهولة و كأنها أعجوبة فريدة .
مع اختلاف الأعمار و تفاوتها في الشرائح المجتمعية فإن قدرات الإنسان العاقل ذهنياً تتفاوت بصورة كبيرة في نواحي التذكر و استرجاع المعلومات بيسر و سهولة بين وقت و آخر ، و يقوم العقل البشري في جميع الأحوال بترشيح المعلومات و فرزها و تصنيفها بدقة و حفظ المُفيد و الضروري منها و أرشفة البعض الآخر على التوازي مما يُفيد في حُسن التعامل مع المشاكل التي تُواجه الإنسان في مسيرة حياته ، و يُؤكد عدد من الخبراء بأن عقل الإنسان يتمتع داخلياً بنوعين من الذواكر فالأولى هي الذاكرة النشطة و التي تقوم بتداول المعلومات الفورية بسرعة و أما الثانية فهي ذاكرة طويلة الأمد تقوم بتخزين المعلومات لفترات زمنية طويلة و ربما لعقود .
تُعتبر إحدى المشاكل الحقيقية التي تُواجه الإنسان في العصر الحالي هي السيل الجارف من أطياف و ألوان المعلومات الفضفاضة التي يتعرض لها كل يوم ، ففي الماضي كانت هناك بُرهة من الوقت يخلو فيها المرء إلى نفسه ليُفكر ملياً فيما يدور من حوله و أما الآن فقد أصبح مُستقبلاً سلبياً لفيضان غامر لا ينقطع من الأخبار و و الأحداث و العلوم و التطورات و التي تصل إليه عبر شبكات الإنترنت و الصحافة الالكترونية و مواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف مسمياتها ، و من المُلاحظ بأن العقل الإنساني لا يصبح قادراً على استقبال أو تلقي أي شيء جديد عندما ترد إليه كمية ضخمة من المعلومات تفوق قدرته الطبيعية على استيعابها و التعامل المثالي و المُناسب معها ، و لا يخفى على أحد بأن الله تعالى خلق العقل البشري بإحكام و أوجده ليسود الكون بأصقاعه منذ ملايين السنين مع ملاحظة أن أي تغيير يتم استحداثه ربما يؤدي إلى كوارث و مفاجآت لا يمكن توقعها و لا يُحمد عقباها ، و ينبغي على الجميع الإدراك بأن هنالك فارقاً كبيراً بين الذاكرة الخارقة و الذاكرة المناسبة و المقبولة و يمكن لأي عاقل التمعن في أعماق الحكمة القائلة بأن النسيان نعمة من الخالق مثل الذاكرة تماماً .