بقلم الدكتور نبال موسى
ترددت كثيرا في كتابة هذه السطور التي ستلي لأنها ربما تفسّر في نظر بعض الناس بأنها قد تسيء الى صورة وذكرى فنان عظيم، سيبقى اسمه خالدا في أذهان الملايين مئات السنين، وله مني كل الاحترام. لكن المسألة لطيفة وظريفة، ولعل كلا منا وقع فيها في يوم من الأيام، وخصوصا أن المرء عندما يكبر يحاول لا شعوريا استعادة شيء من طيف الشباب وذكرياته ولو عن طريق التخيّل أحيانا. ومحمد عبد الوهاب إنسان ككل البشر، وهو كان يعشق المرأة وتزوج ثلاث مرات كما هو معروف.
لم تمر فترة طويلة على علاقة عبد الوهاب بي وبإذاعة الشرق في باريس التي كنت مدير برامجها منتصف الثمانينات حتى أخبرتني إحدى المذيعات يوما بأن الاستاذ يغازلها على الهاتف منذ مدة. لم أصدق بادئ الأمر، خصوصا وأن المذيعة المذكورة كانت ذات طموحات كبيرة وربما كانت تطمح الى دخول المجال الفني ووجدت في العلاقة مع عبد الوهاب فرصة مؤاتية. لكنها اسمعتني جزءا قصيرا من مكالمة سجلتها معه وفيها بعض عبارات الغزل وأشياء أخرى لا يستحسن ذكرها، فطلبت منها أن تمحوها فورا تحت طائلة المساءلة، وأن لا يعلم أحد بذلك، وأن لا تسجل له أبدا مرة أخرى.
الطريف أن عبد الوهاب عندما كان يطلبها ويرد أحد الزملاء ويسأله عمن يريدها، كان يجيب: ” قل لها الاستاذ يوسف” ! وقد قال لي الزميل والصديق حبيب حمود الذي رد على الهاتف مرة، قال لي وهو يضحك مستغرباً هذا التخفّي: هل من إنسان عربي لا يعرف صوت محمد عبد الوهاب من أول نبرة؟
المهم أن هذه المسألة لم تنتج شيئا لأن المذيعة المذكورة تركت الاذاعة بعد فترة قصيرة وانتهى الأمر. وعندما أخبرت الصحفي الكبير وصاحب مجلة “المستقبل” التي كنت أعمل فيها في الوقت نفسه والذي كان نجم الحفلات الاجتماعية والفنية في بيروت المرحوم نبيل خوري بقصة الأستاذ الكبير، وهو الذي يعرفه جيدا من أيام عز بيروت وحفلات بيروت، حيث كان نبيل خوري مديرا لبرامج الإذاعة اللبنانية، أخبرني بأن عبد الوهاب يعشق النساء وأنه على رغم كونه محمد عبد الوهاب وأن أي سيدة كان يسرّها أن تجلس بجانبه في أي حفلة أو عشاء، على رغم ذلك كانت سيدات بيروت يتحاشين الجلوس إلى جانبه، لأن يده ـــ على ذمة الراوي ـــ كانت “تتطاول” من تحت الطاولة. وأضاف أنه لا توجد إمرأة واحدة حصلت بينها وبين عبد الوهاب علاقة خاصة إلا وتتذكره مدى الحياة، فقد كان له أسلوب خاص وطويل في الملاطفة والمداعبة وغير ذلك مما يجعلها تنهار وتتأجج عواطفها وتذوب بين يديه…على ذمة الراوي!
دارت الأيام وأصبحت أتصل بعبد الوهاب فيسألني الفندق عن أسمي كما جرت العادة، ثم بدلا من ان يمرر لي الاستاذ كان يرد علي بأنه غير موجود! وعندما تكررت الحكاية عدة مرات، أدركت أن في الأمر شيئاً غريباً. طلبت من إحدى الزميلات أن تتصل وتمرّر لي الهاتف، وهكذا كان. سألت مطربنا العظيم عن سبب تهرّبه من التحدث معي، فوجدته غاضبا من قصة مفبركة على لساني رواها لي كانت قد وصلت اليه. فعرفت فورا صاحبة الفبركة الساذجة، وحكيت له أنها سيدة قريبة من الوسط الفني تراودني عن نفسها وأنا رجل متزوّج ومخلص، فاقسمَت على الانتقام مني بتخريب علاقاتي مع كل من أعرف في هذا الوسط، وهذا ما حصل في علاقتي معك على ما يبدو. فما كان من عبد الوهاب الذي أدرك براءتي إلا أن فاجأني بالقول: ” طيب يا أخي ما تنام معاها وتخلّصنا” ! وضحكنا، وعادت الأمور إلى طبيعتها، لكنني لم ألبث ان تركت الاذاعة بعد فترة قصيرة وانقطعت عن أي اتصال بكل الوسط الفني الذي كنت أعرفه الا مع الفنان الكبير رحمه الله نهاد طربيه.
قبل أن أختم هذه السطور، هناك خبر مهم جدا نسيت أن اذكره في مقالي السابق عن عبد الوهاب. فقد ذكر لي مرة والابتسامة تعلو شفتيه أنه عندما علم الرئيس جمال عبد الناصر بأن حقائب عبد الوهاب لا تفتّش في مطار بيروت كان يرسل معه حقائب مملوءة بالمال كي يوزعه على بعض الصحافيين اللبنانيين المؤيدين لسياسة الزعيم المصري، ولا أدري لماذا لم أسأله يومها عن الأسماء؟ لكن هل كان سيبوح لي؟
بقي أن أقول إنه عندما توفي المرحوم محمد عبد الوهاب، أعدّت إحدى المذيعات صاحبة الضمير المهني الرفيع التي كانت تعمل في إذاعة الشرق نفسها وسبق أن عملت قبل ذلك في إذاعة مونتي كارلو(ه. ح.)، أعدت برنامجا عن الفنان الخالد وأذاعت جزءا من مقابلتي معه من دون أن تذكر اسمي، لا بل قالت: ” عندما سأله المذيع حول كذا وكذا…
” تفو” على هكذا صحفيين!”