.
*محمد فحيلي*، خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد.
نعم …
سوف تشهد اسواق الصرف تقلبات بمنحى تصاعدي للوصول إلى سعر صرف جديد (كما كان منذ أيام قليلة بين ال 35000 و ال 40000 ليرة). توقعاتي سوف يكون بين ال 45000 و ال 50000 ليرة للدولار الواحد مع نهاية الفصل الأول من السنة المقبلة 2023. وسوف يستقر لمدة على هذا السعر.
الأسباب وراء هذه القفزة بسعر سعر صرف الدولار يعود إلى المتغيرات التالية على الساحة الإقتصادية:
1. إقرار زيادة في رواتب وأجور القطاع العام؛ وهذا يعني الحاجة لطباعة أوراق نقدية إضافية لأن لن يكون هناك أي تغير إيجابي في إيرادات الدولة. والأهم هو الحاجة لإمتصاص وتخفيف الفائض بالليرة للحدّ من الضغوطات التضخمية. الطريقة المعتمدة اليوم لتجفيف الكتلة النقدية بالعملة الوطنية هي إستبدالها بالدولار – بيع/عرض دولار، شراء/طلب ليرة.
2. إبتداء تنفيذ دولار ال 15000 ليرة في ظل ضبابية قاتلة لجهة كيف وأين ينفذ وماذا يطال. هذه الضبابية أعطت مساحة إضافية للمضاربين.
الإرتفاع في سعر صرف الدولار سوف يواكبه إرتفاع بالأسعار بسبب غياب الرقابة. هذا يعني أن القيمة الشرائية لليرة سوف تبقى ذاتها – أي ما تشتريه ال 40000 ليرة اليوم سوف يكون 50000 ليرة عندما يستقر السوق على سعر الصرف الجديد؛ وصيرفة تتجه ببطء نحو ال 35000 ليرة.
الأرضية الإقتصادية تتحضر لسعر الصرف الجديد بإنتاج وإخراج:
– السياسات العشوائية، مالية ونقدية
– مستوردي المواد الغذائية والأدوات الطبية …
– وتجار المال (نقاط الصيرفة صيادي الدولار الأبيض للتداول لجني الأرباح السوداء)
– والمضاربين من كل الأنواع
– والمحتكرين.
غياب الرقابة والقضاء (والحمدلله على الأمن حتى الآن) سوف يؤسس لمساحة إضافية لتجفيف القدرة الشرائية لأصحاب الدخل، والمتضرر الأكبر هو موظف القطاع العام.
إصرار القطاع الخاص على التمسك بالإبقاء على دعم السلطة الفاسدة والإستفادة منها أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. الرسوم والضرائب تُحدد وتُدفع على القيمة الإقتصادية الحقيقية والفعلية للنشاط الإقتصادي سواء كان هذا النشاط إستيراد، تصدير، عمالة (أي رواتب وأجور)، إلخ…. التمسك بدولار ال 1507 ليرة، او حتى ال 15000 ليرة، له وجه واحد وهو التمسك بالإستمرار بطلب دعم الدولة من جيبة المواطن. جزء كبير من مكونات القطاع الخاص تمسك بالدعم (العشوائي) للإستيراد في السنتين الماضيتين متحصنناً بالمحافظة على مصلحة المستهلك/المواطن وكلنا نعلم بأن المتضرر الأكبر من هذا الدعم كان المواطن.
تحية لصمود العملة الوطنية أمام الأزمات. رغم كل شي، ما زالت الليرة اللبنانية تصمد أمام:
– فشل الطبقة السياسية في إقرار الإصلاحات وتطبيقها،
– والأزمات من كل الأنواع، – والضغوطات التضخمية.
والتدهور في سعر صرف العمله الوطنية مازال دون التوقعات بكثير. دعنا نتذكر بأن عدد كبير من المحللين والإقتصاديين توقعوا سعر صرف الدولار ليصل للملايين، وقلائل من توقع بقاء الليرة دون ال ١٠٠ ألف.
في ظل غياب الرقابة من قبل السلطات المختصة في الدولة، من واجب القطاع الخاص ممارسة الرقابة الذاتية على المواد وعلى الأسعار وعلى توفر السلع في الأسواق.
التدهور مستمر، ولكن ببطء، مادامت مكونات السلطة السياسية الحاكمة والمتحكمة بالبلاد والعباد متمسكة بعدم إقرار الإصلاحات وتنفيذها.