الحياة الزوجية شركة أسسها اثنان وجدا في نفسيهما القدرة التامة على التعايش و التفاهم معاً و أجمعا على ضرورة تكوين أسرة قوامها الحب و التفاني و إن حدث و اختلف الشريكان فهما يفكران جلياً و يتأنيان قبل أن يتخذ أحدهما أو كلاهما موقفاً من الطرف الآخر فهناك المصالح المشتركة و عاملا التعود و الاستمرارية و هذه كلها من شأنها فعلاً أن تجعل الاثنين يُبقيان على هذه الشركة لتستمر الحياة و تسير قاطرة الأسرة و قافلة الأبناء ، و لا وجود لأي بيت من دون خلاف و لا تواجد لأي علاقة بدون مشاحنات و قد يبدو للبعض في لحظة غضب بأن الحياة لن تستمر ثانية بين الزوجين بشكل قاطع و لكن بقليل من رجاحة العقل و كثير من مشاعر الحنان يمكن أن تُنسج خيوط الحياة المستمرة مرة ثانية ، و كما تثور العواصف و الزوابع فقد تشتعل الخلافات لأسباب واهية لا يتصور أحد أنها تسبب خلافاً و لا يمكن بتاتاً لأي إنسان التحديد الدقيق لقائمة مُسببات الخلافات الزوجية فالأمر برمته مرهون بدرجة الحالة النفسية و مناخها و بالتراكمات الحياتية و كذلك الاجتماعية المكنونة في أعماق الداخل لحظة مواجهة موقف الخلاف و لذا فإنه صحيح تماماً مقولة أن النار في الحياة الزوجية قد تشتعل أحياناً بنماذج كثيرة و متعددة من مستصغر الشرر ، و من المُلاحظ بأن هناك دائماً ثمة اختلاف في الرأي بغض النظر عن مدى حجمه و تكون هناك ثورة مشاعر مُتولدة نتيجة هذا الاختلاف و لا يغفل أبداً على أحد بأن لكل إنسان نسبة من الجانب الانفعالي فقد يكون سعيداً و هو لا يعرف لماذا و تارة يكون حزيناً و مكتئباً و لا يعرف السبب ، و حقيقةً فإن صلب مشاكل الخلاف لا يدب إلا بسبب جملة التراكمات داخل النفس البشرية و التي يُساهم حجبها إلى إصلاح المواقف بيسر و سهولة و عودة المياه إلى مجراها الطبيعي عن طريق المُناقشات الهادئة .
للخلافات الزوجية ثمة أسباب عديدة و مختلفة و منها تدخل الأهل و الأقارب في خصوصيات حياة الزوجين و قد تؤدي هذه التدخلات لخلافات شديدة و كذلك فإن للوضع الاقتصادي و الحياتي الراهن داخل أي أسرة دور في تأجيج الخلافات الزوجية و خصوصاً إذا كان أحد الطرفين مُبذراً و مُسرفاً و غير مبالي و كذلك عديم الإدراك لحجم المسؤولية الأسرية و شكل الالتزامات العائلية ، و لعله من الخطأ جداً في حالات الخلافات البسيطة الامتناع عن التنازل و ذلك بحجة الكرامة و الكبرياء فالتنازل أمر ضروري جداً في علاقات الزواج و عدم التراجع هو حجر العثرة الذي يحول دون فض النزاع ليصل الأمر إلى حافة الانفصال في بعض المواقف المُستعصية التي ليس لها حل ، و من المعلوم للجميع عموماً بأن الزوج بحكم وجوده في نمط هذا المجتمع يشعر دائماً بأنه على حق و على الزوجة أن تذعن لهذا الحق فهو لا يرضى بالتنازل عن حقه أو الاعتراف بأي خطأ حتى لو كان مُقتنعاً بذلك داخلياً في الصميم فالكبرياء عنده لا يسمح له بالاعتذار للزوجة في معظم الحالات ، و مع مرور الوقت فعلى الزوجة إدراك هذه الحقيقة و محاولة التعايش معها و الاختيار بين تقبل الوضع كما هو و التزام الصمت على مضض أو الدخول في خضم مواجهة صارمة فعلاً ليس نجاحها بالضرورة أن يكون مضموناً بل ربما قد يُؤدي هذا إلى التنافر و التباعد و الانفعال الغالب على ملكة التفكير وصولاً إلى درجة اليأس و فقدان الأمل بتاتاً في استمرار هذا الزواج ليؤول إلى الانفصال بشكل حتمي لا رجوع فيه .
د. بشار عيسى / سورية