١٤ تموز/ يوليو ٢٠٢٢ ، أو “الذكرى ٢٣٣” لـ”الثورة الفرنسية الكبرى” التي حدثت في ١٤ تموز/ يوليو ١٧٨٩ ، و التي يمكننا أن نؤرخ بقيامها بدء تاريخ القرن التاسع عشر في “أوروبا”، والذي استمر قرنًا وربع القرن، أي إلى نشوب “الحرب العالمية الأولى” ١٩١٣/٦/٢٨.
ففي ١٤ تموز/ يوليو ١٧٨٩ إندلعت ” ثورة الخبز” حين هاجم الباريسيون “سجن الباستيل” (أنشئ بين ١٣٧٠- ١٣٨٣ ، كان اسمه الأصلي “الباستيل” اي “الحصن” للدفاع عن باريس من ناحية الشرق ، وكان له قومندان “آمر الحصن” أو “الضابط” أو رئيس حاميته يُدعى “كابتن الباستل”، ثم تحوّل الى سجن منذ ١٤٢٨) وكان رمزًا الطغيان والتعذيب ، ولـ”ظلم حكم الإلغائي” .
وسجن فيه حتى ١٧٨٩ حوالى ٦٠٠٠ سجين منذ عهد “لويس الرابع عشر” ، و”لويس الخامس عشر” وتنسب إليهما مقولة “أنا الدولة والدولة أنا” ، (التي هي شعار البلاط اللبناني الحاكم الآن) ، و”لويس السادس عشر” الذي قامت “الثورة الفرنسية الكبرى” في عهده ، حيث انطلقت من هذا السجن شرارتها الأولى ، للحصول على القمح الذي كان يخزّن فيه ، والسلاح ، بسبب المجاعة التي عمّت فرنسا آنذاك … كما هي الآن في ما تبقى من لبنان.
وردًا على الشعب الفرنسي الجائع قالت الملكة “ماري أنطوانيت ” لأفراده :” إذا لم تجدوا الخبز لتأكلوا ، كلوا بسكوت” ! تمامًا كما هي حال ماتبقى من لبنان منذ عام ، حيث يقول حاكم ماتبقى من لبنان ، يقول للشعب “يلي ماعاجبوا الوضع يذهب إلى جهنم ، أو يفل” ..!!
ولا تزال فرنسا منذ سنة ١٨٨٠ تحتفل بيوم اقتحام “الباستيل” في ١٧٨٩/٧/١٤، باعتباره “اليوم الوطني” لفرنسا -أو “العيد الوطني” Fête Nationale-.متى سيحصل ذلك في ما تبقى من لبنان..؟
وتعتبر “الثورة الفرنسية الكبرى” ثورة الطبقة الوسطى” مؤيدة من ” الطبقة الدنيا ” ، الذين ساروا على نهج فلاسفة و مفكريين فرنسيين تنويريين، أمثال “ڤولتير” (١٦٩٤- ١٧٧٨) الذي كان يدعو الى إقامة نظام ملكي مستنير في فرنسا على غرار بريطانيا ، و”مونتسكيو” (١٦٩٨- ١٧٥٥)، الذي انتقد مساوئ الحكم الإستبدادي المطلق في كتابه “روح القوانين” الذي أكد فيه على أن “الحكومة الديموقراطية” أساسها الاول هو “الإستقامة” في “حب القوانين والوطن”، ويعتبر “إمام -المذهب الحر” Liberalism-.، و”جان جاك روسي” (١٧١٢- ١٧٧٨) صاحب كتاب “العقد الاجتماعي”، والذي اكّد فيه على أنّ الإنسان يُولد مع حقوقه ؛ هو كان الممهّّد لـ”المبدأ القوني” – Nationalisme – .
وتمت مع هذين المبدأين “الدولة الوطنية” و التي كانت نتاج الحركات القومية في أوروبا ، الحدث البارز في تاريخ القرن التاسع عشر الأوروبي ، الذي كان من آثار “الثورة الفرنسية الكبرى” ، وحروب إبنها البار “نابليون بونابرت” في أوروبا .
وتعتبر “الثورة الفرنسية الكبرى” فترة تحوّلات سياسية واجتماعية كبرى في التاريخين الفرنسي والأوروبي، وبالرغم أنّ “الثورة الاميركية” (١٧٧٤- ١٧٧٦) والتي كانت قد سبقتها زمنيًا ، والتي حرّرت “الولايات الأميركية الثلاثة عشر” من الاستعمار البريطاني، وكانت ترددًا لأفكار “مونتسكيو” و”روسو” ، إلاّ ان “الثورة الفرنسية الكبرى” هي التي بقيت متعلّقة بالأذهان منذ “٢٣٢ عامًا” ، لأنها كانت “المدرسة الأم” التي تخرّج منها دُعاة ثورات “الحرية والعدالة والمساواة” في العالم كله .
صحيح انها “ثورة الخبز”، و”الثورة على الفقر والظلم”، ولكن لولا “العقول المستنيرة” – ل”الفلاسفة المفكريين” ، وفي مقدمهم “ڤولتير” و”مونتسكيو” و”روسو”، والذين قادوا “النهضة الاوروبية الثانية” في أوروبا (الأولى كانت في أواخر القرن الخامس عشر) لما نجحت “الثورة” وبقيت حيّة حتى في الفترة ما بين (١٧٩٣/٩/٥ و١٩٧٤/٧/٢٨) .
وهي الفترة التي يُطلق عليها “اللحظة العصيبة التي التهمت فيها أبناءها، بالرعب الثوري ، والذي يُسمّى بـ”الإرهاب” -terrorism- والذي قادها “روبسبيير”( ماكسيمليان فرانسوا ماري إيزدور دي روبسبيير ١٧٥٨/٥/٦ – ١٧٩٤/٧/٨) , وهو محام فرنسي ورجل دولة كان أحد أشهر وأكثر الشخصيات تأثيرًا في الثورة الفرنسية. بصفته عضوًا في الجمعية الوطنية ونادي اليعاقبة ، قاد حملةً من أجل إلغاء كل أشكال العبودية ، ومن أجل “مدنية الدولة الفرنسية الجدية”) ، كان متأثرًا سياسيًا بأفكار “مونتسكيو” ، ناضل ضد “الثورة المضادة” من تكتلات “النظام القديم” ، وقضت هذه اللحظة عليهم وبقيت “الثورة الكبرى” ، والتي أصبح شعارها كما صاغه “روبسبيير” في خطاب له في ١٧٩٤/٢/٥ “حرية”.. عدالة.. إخاء” وحذف منها الكلمة الرابعة أو “الموت” .
وباختصار ، فإنّ “الإرث الثوروي” لـ”الثورة الفرنسية الكبرى” ، ١٧٨٩/٧/١٤ ، تعدى بنتائجه فرنسا وأوروبا ، وانشر في العالم كله – وفيه قلبه الشرق الأوسط – ، حيث أيقظ هذا الإرث الثوروي “القومية العربية” من سباتها انطلاقًا من مصر مع “نابليون بونابرت” ١٧٩٨- ١٧٩٩ … وليته يوقظ اللبنانيين الآن من غفوته