يمكن القول انه من دولة “طالبان” في” أفغانستان” – دولة القلق السياسي الدائم وخصوصًا منذ أوائل القرن العشرين الماضي في محيطها – بدأت تظهر معالم يسودها الغبار لخريطة الشرق الأوسط الجديد ، التي طال الحديث عنها منذ عام ٢٠٠٠ ، وكان خط الرسم الأول فيها في ٢٠٠١/١٠/١٠ ومن “أفغانستان” ، ولكن الخط إعوج وفشل ، والآن عاد ليظهر ثانية إنما ب”صدمة لواشنطن” كما ادعت أول من أمس ، وهي صاحبة مشروع “الشرق الأوسط الجديد ..!!
ثم كان الخط الثاني في رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد من “العراق”في ١٩-٢٠٠٣/٣/٢٠ ، وبقي هذا الخط غير واضح حتى الآن .
ثم كانت المحاولة الثالثة في ٢٠٠٩ في إطار مخطط الرئيس الأمريكي “أوباما” المسمّى «PSD-11 Strategy to Support the Muslim brotherhood» ، الاستراتيجية لدول إسلامية متطرفة تحت قيادة تركيا ، والذي ظهر على الأرض العربية في ما سمي بالربيع العربي زورًا في كانون الثاني/يناير ٢٠١١ ، والذي فقد توازنه مع الثورة المصرية الكبرى ٢٠١٣/٦/٣٠ ، التي منعت تقسيم مصر ، وأسقطت مؤامرة جعل شبه جزيرة سيناء “دولة للتنظيمات الإرهابية المعولمة” التي لا دين لها ولا وطن ، (وكان الهدف من إنشاء هذه الدلة أن تكزن منصة لتصدير هذا الارهاب إلى الوطن العربي، وإلى أوروبا ، وإلى العالم)،وأسقطت مشروع “أوباما” من٢٠١٣ إلى أواخر ٢٠٢٠ .
فهل عاد هذا المشروع للظهور الآن من “أفغانستان” مع “دولة طالبان” الجديدة الملفتة للنظر في هذا الوقت بالذات ، لأنها تقع على جدود الصين ، خصوصًا وان “طريق الحرير” مشروع الصين الاول في إستراتجيتها الاقتصادية العالمية ، يمر في أفغانستان الهامة لمصالح الصين ، و التي تسير بخطى حثيثة لتأخذ موقع الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث تكون الدولة الأولى عالمًا في الإقتصاد والمال .
إضافة إلى أن أفغانستان على حدود الاتحاد السوفياتي القديم ، وليس مستبعدًا أن يصل تهديدها لروسيا حاليًا التي ورثت الاتحاد السوفياتي سياسيًا ، بهدف خلخلة مصالحها في الشرق الأوسط تجديدًا ، والتي تجاوزت بها مصالح الولايات المتحدة الأميركية منذ أيلول/سبتمبر ٢٠١٥..بعد أن تركته واشنطن ، متجهة إلى جنوب آسيا.
وتبقى الدولة الثالثة التي على حدودها وهي إيران المتحالفة استراتيجيًا مع الصين وروسيا ، التي لم يظهر في الأفق المنظور بعد أي تطور إيجابي في العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية ، وخطوصًا بالنسبة للملف النووي، وقد تكون أفغانستان طرفًا جديدًا في المعادلة الأمريكية- الإيرانية .
وعلى كلٍ ، سيبقى عالم الشرق الأوسط-قلب العالم الثالث- الذي يضم كل الأقطار العربية ماعدا الجزائر والمغرب ، ويضم أيضًا قبرص وتركيا وإيران وباكستان وأفغانستان و”إسرائيل” وأثيوبيا.
سيبقى هذا الشرق الأوسط الآن وبقوة ملعبًا وهدفًا في الوقت ذاته للأطراف الدولية الكبرى ، وإن بدرجات متفاوتة في تعامل هذه الأطراف مع دوله، وتحديدًا لأهمية موقعه الجغرافي: الذي يتحكّم في طريق المرور الدولية: مما جعله بسبب ذلك، وبسبب ثرواته الطبيعية – خصوصًا البترول – وبسبب ثروته السائلة «النقدية» ملعبًا وهدفًا في آن، للصراع الدولي في النسق الدولي العالمي السابق الثنائي النزعة القطبية الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفياتي ما بين «١٩٤٥ – ١٩٩٠».، كما لايزال الآن بوضعيته وخصوصية موقعه الاستراتيجي، ملعبًا وهدفًا «لصراع المصالح» الدائر حاليًا من حوله وفيه – على أرضه ومياهه وأجوائه بين الأطراف الدولية الكبرى .
وفي هذا السياق أشير إلى أن الشرق الاوسط سيبقى أحد مراكز الاهتمام الأمريكي، (وإن تحوّلا عنه من ٢٠١٥ إلى جنوب آسيا) ، بسبب وجود «إسرائيل» فيه، والتي أمنها من أمن الولايات المتحدة -كما لا يزال يؤكد على ذلك كل رئيس أمريكي منذ العام ١٩٤٨ حتى الآن- وكان «ترامب» قرّر في منتصف تشرين الأول /أكتوبر ٢٠٢٠ ، ضمها إلى نطاق القيادة المركزية الامريكية بالجيش الأمريكي.
وعندها قررت وزارة الدفاع الامريكية «البنتاغون»، إخراج إسرائيل من نطاق عمليات القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا وضمها إلى نطاق القيادة المركزية (سنتكوم)، إلى جانب أقطار عربية أخرى بالشرق الاوسط، ولتصبح الدولة ٢١ التي تقع تحت إشراف القيادة المركزية الأمريكية ، وهكذا أصبحت القيادة المركزية الأمريكية تشرف على السياسة العسكرية الأمريكية المتعلقة بالأقطار العربية و»إسرائيل» على حد سواء .
على كلٍ ، هل ستكون ” دولة طالبان” في أفغانستان بداية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد ؟ التي لن تظهر معالم خط الرسم الحالي له الّا بعد ثلاثة أشهر على أقل تقدير ، حتى تمسك “طالبان” تمامًا بمفاصل الدولة الأفغانية الجديدة .