منذ ٢٥ يوماً تعيش «الدولة الوطنية اللبنانية» حالة من «الحركة المدنية الاحتجاجية» للمطالبة بـ«لقمة عيش كريمة»، إلاَّ أن هناك «طرف آخر» في لبنان لايزال ينظر اليها على أنها ليست كما تصورها عدسات التلفزيونات المكبّرة – بحسب هذا الطرف – بل حجمها أقل بقليل!
أي أن المليونين لبناني، أو المليون وسبعمائة الف مواطن لبناني على أقل تقدير، الذين نزلوا الى «الساحات العامة» مطالبين بـ»حرية الحياة» التي هي بند أولي في «حقوق الانسان»، ومثل هؤلاء في المنازل لم يتمكنوا من المشاركة في هذا «الحراك المدني الحضاري»، هم مع هذا المطلب «قلباً» و«قالباً»، ليسوا بنظر هذا «الطرف» إلاّ «فوتوشوب» ومجرد برغش، ووصفهم هذا «الطرف» بـ«المشاغبين»، و«خليهم» يتسلوا «حتى «يتعبوا».
لأن هذا «الطرف» الذي يدعي أنه «هو لبنان.. ولبنان هو» خافٍ في الحقيقة من هذه «الموجات» من «اللبنانيين، على وضعه «المهزوز»، لأن هذه «الموجات» كسّرت «حاجز» الخوف الطائفي»، ووحّدت «المطالب الشعبية» – وهي «حقوق» – بـ«لغة وطنية جامعة» كانت غائبة عن لبنان منذ ١٤ سنة.
وإذا كان هذا «الحراك» قد اسقط «الحكومة» ليحوّلها الى «حكومة تصريف أعمال» أي لا حول لها ولا قوة، لأنها لا تتمتع بسلطة تنفيذية تُشارك فيها «القرار السياسي» لـ«الدولة اللبنانية» الذي هو الآن منفرداً بيد رئيس الجمهورية..
وقد داعب «الأمل» كل اللبنانيين بعد تقديم هذه الاستقالة خطياً من قبل رئيس الحكومة الى رئيس الجمهورية، بـ»مشاورات نيابية عاجلة، ووعدت «النفس» بـ«مباراة رياضية» تعيد لنفوس اللبنانيين أمجاد جيل «الآباء المؤسسين» – و»عهد الاستقلال اللبناني» ١٩٤٣ الذي من المفترض – أو من المتوقع – أن يُحتفل به في ٢٢-١٠-٢٠١٩، وقد لا يُحتفل به في حال استمرت «الأزمة» الحالية..!
على أي حال، أعود وأشير الى أنه ومع مرور الساعات والأيام على استقالة الحكومة، لاتزال لعبة الرهان على الزمن تطيح بـ»أمل التكليف ليحل محله»، «التشاؤوم» و»الإكتئاب»، لأن «بعض» اللاعبين صغاراً كانوا أو كباراً، يصرون على «لعب» المباراة» بـ»قمصان»، و«شارات» أقل ما يُقال فيها أنها خارجة عن «النص» وتؤجج «نار الطائفية» و«المذهبية» ولا تُراعي الأخطار التي تحدق بـ»أرض المباراة»..
وكان المفروض بهم أن يُراعوا هذه الأخطار، لانتزاع عناصر «التحريض» التي من شأنها أن تلغي هذه «المباراة الرسمية» ليحل محلها «الفراغ»!
ويا ليت هؤلاء «اللاعبين» يتذكرون ما قاله الفيلسوف الروماني لوكيوس سينيكا» (٤ ق.م – ٦٥م) الذي كان يُحارب الانفعالات ويدعو الى لغة العقل المتزن، لأن الرجل الحكيم بحسب فلسفته هو الذي يسمو على انفعالاته.
وهو كان معلماً لـ»نيرون»، ولكن حين شذّ «نيرون» وحرق روما (١٠ أحياء من أصل ١٤ حي في ٦ أيام ما بين (١٨-٧-٦٤م و٢٣-٧-٦٤م) ترك «نيرون» ونيرون ترك – سينيكا – يقتل نفسه قبل أن يقتله هو.. ويا ليت هؤلاء «اللاعبين» يتذكرون ما قاله هذا الفيلسوف قبل أن يحرقوا لبنان كما حرق «نيرون» روما وهو يتفرج عليها من برج عالٍ شيّده خصيصاً ليُراقب حرق روما..!
قال «سينيكا»: «إذا أكرهك القدر على أن تتخلى عن مركزك المتقدم في الدولة، فعليك أن تثبُتْ، وأن تُساعد بلادك بالقول. وإذا لم تستطع فعليك أن تُساعدها بالصمت. فالخدمات التي بمقدور المواطن الصالح أن يقدمها لوطنه لا تذهب عبثاً.. إذ أن السماع له، أو النظر إليه، أو تأمل هيئته وحركاته وثباته، وحتى طريقة مشيه.. يُساعد بها وطنه»..
مهما يكن من أمر لايزال هذا «البعض» يدفع بـ»الوضع الراهن» الى مزيد من «الافلاس الاقتصادي»، والى «الفراغ السياسي»، وإلى «لعبة الشارع الخطرة» التي أطاحت بـ»انفرادية لبنان» وهي «رسالته الحضارية» ما بين ١٩٧٥ و١٩٨٩، والتي استردها له «إتفاق الطائف» الذي يريدون اسقاطه الآن!.
حمى الله تعالى «لبنان الرسالة» مما أصاب «روما ما بين ١٨-٧-٦٤م و٢٣-٧-٦٤م، ممن قال أنا «الأمبراطورية الرومانية.. والأمبراطورية الرومانية أنا».. أو «أنا الدولة والدولة أنا» التي تنسب الى «لويس الرابع عشر» الذي حكم فرنسا ٥٤ سنة ما بين ١٦٦١ و١٧١٥…
يحيى أحمد الكعكي