اعداد عمر الناطور
بعد تخطيه المواعيد الدستورية وإنفاق المال العام على قاعدة الاثني عشرية لفترة تجاوزت الثمانية أشهر، أقرّ مجلس النواب الموازنة العامّة للعام 2022 بأكثرية 63 صوتاً ومعارضة 37 وامتناع 6 نواب عن التصويت، وغياب 22 نائباً عن الحضور.
وظهر العجز جلياً بين قيمة النفقات التي حددتها الموازنة بـ40 تريليونا و873 مليار ليرة (نحو 1.2 مليار دولار وفق سعر الصرف بالسوق الموازية البالغة أكثر من 38 ألفا للدولار)، في حين بلغت قيمة الإيرادات 29 تريليونا و986 مليار ليرة (نحو 810 ملايين دولار)، أي أن العجز ناهز نحو 10 مليارات ليرة (نحو 390 مليون دولار).
ووسط ضبابية الأرقام، لم يحصل اللبنانيون على جواب شفاف لسؤالين: كيف سيمول العجز؟ وكيف ستتوفر الإيرادات؟
كما انشغل الرأي العام اللبناني بتحولين بارزين في هذه الموازنة، ولأول مرة بعد الانهيار التاريخي الذي يعصف بلبنان منذ نهاية 2019:
أولا: منح موظفي القطاع العام من مدنيين وعسكريين زيادة مؤقتة (لم تحدد زمنيا) على الراتب تساوي ضعفي الراتب الأساسي الشهري، بحد أدناه 5 ملايين ليرة (نحو 133 دولارا) بسقف أقصاه 12 مليون ليرة (نحو 324 دولارا).
ثانيا: رفع الدولار الجمركي تعزيزا للإيرادات 10 أضعاف؛ من 1500 ليرة وفق سعر الصرف الرسمي إلى 15 ألف ليرة، وهو أقل من نصف سعر صرف الدولار الفعلي بالسوق السوداء (نحو 38 ألفا).
والدولار الجمركي يقصد به كيفية احتساب الرسوم المفروضة على السلع والبضائع المستوردة، التي تحتسب وفقا لقيمة المستوردات والعملة المعتمدة في فاتورة استيرادها.
«المجلة» طرحت هذه الأسئلة على نواب وخبراء اقتصاديين وماليين شغلوا مناصب بارزة في عالم المال وسجلت الآراء التالية والتي تباينت ما بين معترض أو منتقد أو متسامح بسبب الظروف الحالية للبلاد.
موازنة لتسيير الأمور
النائب المستقل الدكتور بلال الحشيمي اعتبر أن الموازنة التي أقرت لم تأتِ بأي جديد، وهي لتسيير الأمور ولتلبية طلبات المنظمات الدولية التي تصر وتطالب بضرورة أن يكون هناك موازنة عامة للبلد يتم إقرارها في المجلس النيابي.. «أنا شخصياً كنت أفضل أن نناقش ونقر موازنة العام 2023، ويتم إقرار موازنة العام 2022 بصورة شكلية، فكما هو معروف الموازنة تقديرية للعام المقبل، اليوم نحن أقررنا موازنة 2022 في الفصل الأخير من السنة، مع أن المفروض وحسب الدستور يجب إقرارها في العام 2021، طبعاً هناك مشكلة في الموازنة فهي لا تتضمن الرؤية الاقتصادية أو النقدية التي ستتبناها هذه الموازنة إذ لاحظنا أن هناك إيرادات مسجلة بقيمة 39 ألف مليار ليرة، والنفقات مسجلة بقيمة 49 ألف مليار ليرة والسؤال: هذه الأرقام وضعت على أي أساس؟ وعلى أي سعر صرف؟ واليوم الدولار في السوق الموازية بحدود 39 ألف ليرة، يعني جميع النفقات ستتغير وهذه مشكلة، فهل سيتم اعتماد سعر الدولار الجمركي على أساس 15 ألف ليرة لأن مجلس النواب قال أن هذا الأمر من اختصاص الحكومة، لذا الأمور تبدو غامضة وغير معروف كيف ستسير، وأيضاً هناك مشكلة رواتب الموظفين التي رفعت ثلاثة أضعاف وهذا القرار سيؤدي إلى ارتفاع نسب التضخم، لذا أرى أن هذه الموازنة لا قيمة لها ولن تحل الأزمة وتضبط الإنفاق، وبالتالي هي غير قابلة للتطبيق في ظل الأوضاع الراهنة».
ويتابع الحشيمي: «من أجل ذلك أعود وأكرر أن الموازنات يجب أن تتضمن رؤية واضحة حتى نتمكن من معالجة مشكلة الاقتصاد اللبناني، وحين تفتقد الموازنة إلى رؤية تكون موازنة شكلية، وبصراحة الإصرار على إقرارها هو من أجل أن تتقيد الحكومة بمتطلبات صندوق النقد الدولي، وبرأيي هناك تلاعب في الموازنة مع أن صندوق النقد يطالب بخطة ورقابة برلمانية، والحكومة عاجزة».
وتمنى الحشيمي أن يكون لدى الحكومة والمنظومة السياسية النية للعمل على موازنة جديدة للعام 2023 بشفافية واضحة، لناحية الدولار الجمركي والدولار الضريبي، حتى تتبين قيمة الإيرادات وقيمة النفقات ونسبة العجز.
موازنة مسكنات
النائب السابق لحاكم مصرف لبنان الدكتور محمد البعاصيري، أشار إلى أن الظرف الذي رافق إقرار الموازنة يذكر بالظرف السائد عام 2018 عند إقرار سلسلة الرتب والرواتب، والذي كان من أسباب الأزمة الحالية.
أما عن أهم عيوب هذه الموازنة فيعددها على الشكل التالي:
1 – العجز البالغ 25 في المائة.
2 – عدم وجود رؤية إصلاحية.
3- ظلال من الشك حول واقعية الإيرادات وبالتالي إمكانية ارتفاع العجز في الموازنة، خصوصا في انعدام ضبط الحدود وانعدام مراقبتها مما سيزيد من إمكانية التهريب.
4 – الأثر التضخمي الحتمي والاحتمال المتوقع للمزيد من انهيار العملة الوطنية.
5 – احتمال انتفاء الهدف من إقرار الموازنة، إذ إنه من المتوقع أن يؤدي انهيار الليرة إلى تآكل الزيادة المالية على رواتب موظفي القطاع العام.
ويرى البعاصيري أن «إقرار الموازنة يؤكد على أننا لا نزال ضمن الحدود الترقيعية، ولا نزال نداوي أزماتنا بالمسكنات وحبات البندول. ويبدو أننا لم ناخذ الدروس والعبر، أو أننا لا نملك إرادة التغيير والإصلاح أو لا نزال في حال الإنكار».
أما عن الإيجابيات المحتملة للموازنة فيقول: «أولا الانكماش المتزايد يمكن أن ينعكس إيجابا على ميزان المدفوعات بسبب النقص في الإيرادات، كما أن الموازنة تؤدي إلى خلق شعور ولكن بشكل مؤقت لموظفي القطاع العام بنوع من الارتياح النسبي، ولكن في الخلاصة ما حدث لا يمكن وضعه في خانة الإصلاح المنشود أو الحلول الجذرية».
موازنة افتراضية
بدوره النائب السابق لحاكم مصرف لبنان الدكتور مكرديش بولدقيان اعتبر أن قانون الموازنة العامة للسنة الحالية التي بلغت أرقامها 40 ألف مليار ليرة نفقات و30 ألف مليار ليرة إيرادات، أي بعجز قدره 10 آلاف مليار ليرة، افتقدت إلى قطع حساب ولم تكن ولادتها سهلة، حتى إنها كادت تسقط في الهيئة العامة لمجلس النواب لو لم يتوفر لها الدعم الخارجي والسياسي المحلي تحت عنوان «الموازنة ضرورة من أجل نيل مساعدة صندوق النقد الدولي».
وفي قراءة عامة لقانون موازنة الثلاثة أشهر يتبين بحسب بولدقيان أن «هذه الموازنة وضعت على عجل فجاءت أرقامها افتراضية، أي إن أرقام الواردات كما أرقام النفقات، لم تبن على قاعدة ثابتة حقيقية حيث لا توحيد لأسعار النقد، وهو الأمر الذي لحظه صندوق النقد الدولي الذي قال إن على لبنان أن يركز على موازنة 2023 وعلى إقرارها في موعدها، على أن يستند هذا الأمر إلى افتراضات واقعية للاقتصاد الكلي مع التدابير اللازمة لزيادة الإيرادات، بما في ذلك استخدام سعر صرف واقعي أي سعر الصرف الذي يجب أن يصبح سعر السوق مع توحيد سعر الصرف. وإلى ما أدلى به صندوق النقد الدولي يمكن الأخذ على الموازنة عدم تضمينها أية إصلاحات مالية أو ضريبية، إضافة إلى اتسام نفقاتها بالطابع التشغيلي إذ يذهب القسم الأكبر منها لتمويل خدمة الديون للمصارف المحلية، وعلى الرواتب والأجور والمصاريف التشغيلية للقطاع العام. أما عن تغني الحكومة بقرارها احتساب سعر الدولار الجمركي على 15 ألف ليرة ورهانها على هذا القرار لزيادة الواردات، فإن هذا الرهان ليس مؤكدا مع توقع تراجع الصادرات نتيجة هذا القرار».
ويتابع بولداقيان: «على العموم الغوص في بنود الموازنة يطول ولا ينتهي، لا سيًما في تعرية المستور فيها، في حين أن الإيجابيات قد تكون معدومة إلا إذا اعتبرنا أن إقرار الموازنة أفضل من الاستمرار في الصرف على القاعدة الاثني عشرية، كما أن الموازنة واحدة من مطالب صندوق النقد الدولي. أما فيما خصً بند المساعدة الاجتماعية لموظفي القطاع العام الذي تم بموجبه تصحيح الأجور بنسبة ضعفي الراتب الحالي ولفترة مؤقتة، فإنّ هذا القرار ستكون له كلفة مالية كبيرة على مالية الدولة وتالياً آثار تضخمية بحيث يرتقب أن ترتفع نسبة التضخم من 900 في المائة اليوم إلى 1000 في المائة بعد العمل بالزيادات التي أقرت على رواتب الموظفين».
ويكمل قائلاً: «باختصار موازنة 2022 هي موازنة الأمر الواقع، موازنة لزوم ما لا يلزم، وموازنة شراء الوقت ليس أكثر».
وعن قرار وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل الذي قضى بتحديد سعر الدولار الرسمي بـ 15 ألف ليرة بدلاً من 1500 ليرة السعر الرسمي السائد من العام 1993، يقول: «سيكون لهذا القرار تأثيراته المالية والاقتصاداية المؤثرة، عدا عن أن البعض قد يذهب إلى الطعن في هذا القرار على أساس أن تحديد أسعار النقد هو من مسؤولية مجلس الوزراء وليس مسؤولية وزير المال أو حاكم مصرف لبنان».
موازنة لزوم ما لا يلزم
«موازنة لزوم ما لا يلزم» بهذه العبارة وصف رئيس دائرة الأبحاث الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الخبير الاقتصادي الدكتور نسيب غبريل موازنة 2022 التي أقرّها مجلس النواب، مشيراً إلى أنه في الأسبوع الأخير من سبتمبر (أيلول) 2022 كان من المفترض مناقشة مشروع موازنة 2023 وليس 2022 واحترام المُهَل الدستورية بما يساعد على استعادة الثقة. كما كان يُفترض استكمال الصرف على القاعدة الاثنى عشرية، والانكباب على وضع موازنة العام 2023 ومناقشتها والتصويت عليها قبل المهلة الدستورية، لكان صندوق النقد تفهَّم الأمر، كذلك كان يجب نشر نتائج المالية العامة للأشهر السبعة الأولى من العام 2022 كي يكون الرأي العام على بيّنة من أرقام الواردات والنفقات، قبل الإسراع إلى إقرار موازنة «لزوم ما لا يلزم»… أما التحجّج بـ«تفضيل السيّئ على الأسوأ» فهو منطق غير مقبول على الإطلاق، لأن هناك طرقاً أخرى لتعزيز واردات الخزينة استمر إهمالها من الحكومات المتعاقبة إلى اليوم؟
ورأى غبريل أن «لإقرار موازنة 2022 هدفين اثنين: الأول: الالتزام بأحد الإجراءات المُسبقة التي تم الاتفاق عليها بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي. وهو البند الأول المُطبَّق من مجموع شروط الصندوق، بغضّ النظر عن مضمونه، والثاني: محاولة تغطية زيادة رواتب وأجور موظفي القطاع العام والمساعدات الاجتماعية والمخصّصات العائدة إليهم. وإذا أرادوا زيادة الإيرادات لتغطية تلك الزيادة، كان يجب استباق هذه الخطوة بإصلاحات في القطاع العام، لتجنّب إعادة مسلسل سلسلة الرتب والرواتب. أما القول إن إيرادات الخزينة إلى تراجع، «بالطبع إنها كذلك، بسبب إضراب موظفي القطاع العام الذي استمر ستة أشهر حتى اليوم وسبق ذلك توقفهم عن العمل نحو سنة بفعل جائحة كورونا. وكان الأجدى بالحكومة التفتيش عن مصادر إيرادات للخزينة مُهمَلة من الحكومات السابقة، كمكافحة التهرّب الضريبي والجمركي، ووقف التهريب، وتفعيل الجباية… إلخ، عَوَض اللجوء إلى الضرائب العشوائية المباشرة وغير المباشرة، أو ما يُسمّى الدولار الجمركي لأنه يعني في النتيجة زيادة التعريفة، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار رغم الإعلان عن عدم تأثّر نحو 300 أو 400 سلعة أساسية بزيادة معدّل الدولار الجمركي».
ولفت على سبيل المثال لا الحصر، إلى «فواتير غير مدفوعة لمؤسسة كهرباء لبنان يبلغ مجموعها مليارين و400 مليون دولار، موزّعة على مليارين في ذمّة القطاع العام و400 مليون في ذمّة القطاع الخاص. هذه الإيرادات كفيلة بتغطية زيادة رواتب القطاع العام ومخصّصاته والمساعدات الاجتماعية… إذ من الضرورة بمكان تعزيز القدرة الشرائية للعمال والموظفين المنتجين، وفي طليعتهم القوى الأمنية والعسكرية».
وقال: «لو تم التركيز على حل أزمة الكهرباء وإطفاء عجز مؤسسة كهرباء لبنان، لذهب جزء من هذا الوفر لدعم القدرة الشرائية لعمال وموظفي القطاع العام… لكن أين تطبيق خطة إصلاح قطاع الكهرباء؟ هذا الملف يُفترض أن يكون جزءاً أساسياً وحيوياً ومحورياً في أي موازنة، كونه السبب الرئيسي للعجز النازف».