بقلم د. نبال موسى
في العام 1999 وكنت رئيساً لتحرير مجلة “أسرتي”الكويتية المعروفة التي كان قد تولّى تمويلها الأستاذ نجاح أبو عاصي صاحب إحدى كبريات شركات الإعلان العربية وكلفني إعادة إصدارها من باريس بعدما كانت قد توقفت عن الصدور بسبب الغزو العراقي للكويت…طلب مني رجل الأعمال اللبناني جورج عازار تولّي رئاسة تحرير مجلة اقتصادية اسمها “تجارة ومال”كانت تصدر في باريس وتوزع في الدول العربية وخصوصاً في سوريا حيث كانت لجورج عازار هناك علاقات قوية بكبار رجال الدولة والمسؤولين من باسل الأسد أبن الرئيس إلى اللواء الدكتور بهجت سليمان رئيس جهاز أمن الدولة إلى اللواء علي دوبا رئيس الاستخبارات العسكرية إلى عائلة عبد الحليم خدام وكثيرين غيرهم. وقد كتب بهجت سليمان مرة مقالا في المجلة كونه دكتوراً في الاقتصاد السياسي، وكان باسل الأسد قادماً إلى باريس عندما توفي في الحادث الذي وقع على طريق مطار دمشق، وكان جورج قد حجز له جناحاً في فندق “فريدلاند”في الجادة التي تحمل الإسم نفسه والقريبة من مكاتبه.
أذكر كل هذه التفاصيل كي يعرف القراء الأصدقاء طبيعة العلاقة ومتانتها بين جورج عازار وأرباب النظام السوري في ذلك الوقت، لأن القارئ ربما يحتاج إلى هذه المعرفة ليفهم ويضع في السياق مقالات لاحقة.
المهم أنني وافقت على العرض، وكان جورج قد اشترى المجلة المذكورة وقطع العلاقة فجأة مع فريق العمل السابق وقدم لي مكتبين فارغين ليس فيهما سوى هاتف وفاكس، وطلب مني في أول أيار أن أصدر عدد أيار !؟ وقد تمكنت خلال أيام من تشكيل فريق عمل متكامل وصدر العدد في السابع من الشهر نفسه، وهو إعجاز صحفي غير مسبوق.
بعد عدة أشهر، كنت غارقا في العمل عندما اتصل بي جورج عازار من مكتبه في الطابق الثاني ودعاني لتناول القهوة معه. وبينما نحن نشرب القهوة، تذكر انه يجب أن يتصل بجمال خدام ابن نائب الرئيس السوري في ذلك الوقت. فهممت بالخروج لكنه أبقاني قائلاً: “خليك، ما في شي”. لا أخفي عليك شيئاً، فبقيت. اتصل بجمال خدام وبعد السلام والكلام قال له إن عنده صفقة حديد ستنقل بالباخرة من أوكرانيا الى سوريا و”بدنا ندبرها”. فسأل جمال: كم قيمتها؟ أجاب جورج: هي صفقة صغيرة لأن الصين لم تترك لنا شيئاً، فهي تشتري كل حديد العالم. وكانت الصين فعلاً في عز طفرتها العمرانية والاقتصادية. وأردف: ثمانمائة ألف دولار لك منها مائتي ألفاً. فقاطعة جمال خدام قائلاً بالحرف: ” يا أبو علي (هذا كان لقب جورج في سوريا)، ما تحكيني من اليوم ورايح بأقل من مليون دولار”. وانتهت المكالمة بعد قليل من المجاملات، واقفل جورج عازار الهاتف وهو ينظر إلي قائلاً: “عجبك”؟ لم يعد يقبل الآن بأقل من مليون دولار على الصفقة!
وكنت شاهدت على اليوتيوب مقابلة تليفزيونية مع عبد الحليم خدام قبل وفاته سأله خلالها الصحفي من ضمن ما سأله عما ينسب إليه من أموال حصل عليها باستغلاله مكانته السياسية، وعن صفقات قام بها أولاده وعمولات قبضوها… فنفى بشدة كل هذا وذاك لا بل قال إن “من يعرف كيف نعيش لا يظن بنا كل هذه الظنون”! قال هذا وهو يستقبل الصحفي في صالون قصره الكائن في جادة “فوش”أغلى شوارع العالم، وهو القصر الذي كانت تملكه إبنة الملياردير اليوناني الشهير أوناسيس، والذي يبعد خطوات عن قصر رفعت الأسد في الجادة نفسها.
لا تعليق!
ترقبوا مقالا للإعلامي الدكتور نبال موسى كل يوم اثنين