يتداول أصحاب «الأمية الفكرية» عموماً، وأصحاب «الأمية الفكرية الدينية» خصوصاً، عبارات عديدة تتعلق بـ«القلق» و«الحذر» وأنّ الوقاية لا اثر إيجابي لها في التقليل من الأمراض أو الأوبئة أو الاخطار بصفة عامة، وأن الدراسات العلمية الاستباقية التي تتوقع بحدوث المشكلات والمعوقات قبل حدوثها، والتي تساهم في وضع البرامج العملية لمنع أو للتقليل من اخطارها، انطلاقاً من المقولة القائلة «الوقاية خير من قنطار علاج»، لكي يحافظ اي إنسان على صحته؛ التي تمنع او تخفف؛ عند الاصابة بالأمراض، والاصابات المختلفة، سواء ميكروبية او فيروسية او عضوية او حتى ميكانيكية كالحوادث وغيرها..
إنها عبارات ينشرها الآن أصحاب «الامية الفكرية الدينية»، وهم فئات من مجتمعاتنا أعطوا لأنفسهم سلطاناً على معتقدات الناس، لم يعطه الله تعالى لرسله، زاعمة ان فهمها للدين هو الفهم الصحيح، وأن أسلوبها في تطبيقه هو الحق لا شك فيه، في عملية فرز وضم لمن تريد من الناس العاديين، وهم الذين يصدق فيهم ما جاء في [سورة البقرة: الآية ١١] {وإن قِيلَ لَهُمْ لا تُفسدُوا في الأَرضِ قَالُوا إنَما نَحْنُ مُصْلحُونَ}..
هذه العبارات التي تنشر اليوم بين العامة تذكرني بحادثة قدوم الخليفة الثاني «عمر بن الخطاب» الى أرض الشام سنة ٦٤٠م، وكان قد انتشر فيها «طاعون عمواس» -(نسبة الى بلدة صغيرة في فلسطين بين «الرملة» و«القدس الشريف»، هدمها الاحتلال الاسرائيلي بعد دخوله «القدس الشريف» في ١٩٦٧/٦/٧)- وهو أحد امتدادات «طاعون جستنيان».
فالخليفة «عمر» وبعد مشورة من معه من «الصحابة» -صحابة الرسول «محمد»- والذين نصحوه بألا يدخل «بلاد الشام» نزل عند رأيهم، قال له «أبو عبيدة بن الجراح» -وتوفي بعدها بالطاعون كما كثيرون من الصحابة-: «أفرار من قدر الله»؟ قال عمر: «لو أحد قالها غيرك»!: «نعم نَفِرْ من قدر الله الى قدر الله»: «أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت واديا له غذوتان، إحداهما: خضبة، والأخرى جذبة، أَلَيْس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله».
فَحذرُ «عمر» قد أنجى «الصحابة» من الهلاك بأرض الشام لكنه لم يخرج عن قدر الله وهذا طبيعي لا عجب فيه!
وأخيراً أحذّر من الفهم الخاطئ لهذه العبارات التي تخرج من أصحاب الجهل والجمود و»الأمية الفكرية» لأنها تدعو -ولو غير شعورياً- الى خفض الهمة واليأس والظن انه لن يقدم الانسان جديداً مهما فعل، لذا ففعله وعدم فعله سواء!
وهذا الفهم من أكثر الأفهام التي أطاحت بمجد الأمة وقوّضت أركانها وعصفت ببأسها، لذا فمن الأفضل ألا يتداول الناس هذه العبارات الخاطئة لأنها ضارة ولا تفيد عملاً أصلاً إن لم تفد عملاً ضاراً.
وهكذا نرى ان فكرة «الوقاية خير من العلاج» سننجح في فهمها الصحيح، وتطبيقها التطبيق الصحيح، متى تصدينا لأخطاء عبارات «أصحاب الجهل والجهالة»، ومتى أنكرنا وجودها، بعدم دسّ رؤوسنا في الرمال كما تفعل النعامة.
لذا على المجتمع بجميع أفراده الاعتماد على الدراسات العلمية الاستباقية التي تتوقع بحدوث المشكلات والمعوقات قبل حدوثها، وأن نضع جميعاً البرامج العملية التي تمنع حدوثها -أو الحد من انتشارها- من خلال التطبيق الفعلي لنتائج تلك الدراسات، فـ»الوقاية خير من العلاج»..
وقديماً قيل: «الحظ لا يأتي حينما تعلق حدوة الحصان على باب بيتك بل حينما تنزع عقل الحمار من رأسك»..
يحيى أحمد الكعكي