عادت أجواء «الحرب الباردة» بين «واشنطن»، و«موسكو» الى «أميركا اللاتينية» عبر «البوابة الفنزويلية» هذه المرة، وبقوة.. بعد الأحداث التي تشهدها هذه الدولة التي تحرّرت عن الاستعمار الاسباني في ٥-٧-١٨١١ الذي استمر حوالى ٣٠٠ سنة – من ١٥٢٢ -، ولم يصبح استقلالها ناجزاً عن اسبانيا الاَّ في عام ١٨٢١..
وهي جمهورية ذات «نظام فيدرالي»، أي أنها قابلة لـ«التقسيم» لأنها تتكون من ٢٣ ولاية، وهي من أكثر بلدان أميركا اللاتينية تحضراً، وكانت في مقدمة الدولة النفطية – المصدّرة والاحتياطي – منذ أوائل القرن الـ»٢٠»..
ضربتها أزمات تضخم اقتصادي بسبب الفساد، والديون الخارجية، على الرغم من غناها بالبترول – الذهب الأسود -، والذهب العادي الأصفر، والغاز الطبيعي..
ولقد أدّت الأزمات الاقتصادية فيها ما بين ١٩٨٠ و١٩٩٠ الى أزمات سياسية والى انقلابين عسكريين ومئات القتلى والجرحى، واقالة الرئيس «أندريس بيريز» بتهمة الفساد ١٩٩٣ بعد الانقلاب على رئيسها.. واستلام «هوغو تشافيز» الحكم ١٩٩٨ ليكون الأكثر جدلاً!!
وبعد رفض «تشافيز» كتابة دستور جديد، لجأت المعارضة له الى انقلاب عسكري ٢٠٠٢ – ٢٠٠٣ الاَّ أنه فشل، كما فشل الاستفتاء عام ٢٠٠٤، واعيد انتخاب «تشافيز» رئيساً ٢٠٠٦.. وبقي في السلطة حتى وفاته ٢٠١٣ بعدما حكم ١٥ عاماً..
خلف الرئيس الحالي «نيكولا مادورو» الذي أسقطه الشعب (او معظم فئاته) منذ ٧٣ ساعة، حكم أولاً كرئيس مؤقت، ثم فاز بفارق ضئيل في انتخابات ٢٠١٣ الرئاسية، الاقتراع العام المباشر، وهو من «الحزب الاشتراكي الموحد»، وفيه «الحزب الشيوعي الفنزويلي»، أما الكتلة المعارضة فهي «التحالف الانتخابي الديموقراطي»..
على هذه الأرضية السياسية تعيش الآن «فنزويلا» أياماً حاسمة من «المعارضة البيضاء» هذه المرة – إنقلاب غير عسكري – لم تشهده من قبل، بطله معظم الفئات الشعبية، التي يقودها رئيس البرلمان «خوان غوايدو» الذي نصّبه البرلمان «رئيساً مؤقتاً للبلاد» وأول المعترفين به دولياً كانت الولايات المتحدة الأميركية عبر رئيسها «ترامب» ثم كرّت السبحة.
وكانت الروسيا أول المؤيدين لـ»مادورو» كرئيس شرعي للبلاد، وحذت حذوها «تركيا»، و«ايران»، و«كوبا» خصوصاً عدما أعلن «الجيش الفنزويلي «أنه ضد «الثورة البيضاء»، او «الانقلاب الأبيض» لأنه لم يقم به هو كما تاريخياً، وكذلك رفضت مؤسسات القضاء، اداء «غوايدو» القسم الدستوري» وتولي الصلاحيات التنفيذية، والتمهيد لاجراء انتخابات نيابية حرة..
وفي مبادرة من «غوايدو» – فتى المعارضة «ابن الـ»٣٥» عاماً، والذي هو من «جيل الطلاب» ٢٠٠٧ الذين خرجوا ضد «تشافيز»، وكان من المؤسسين لحزب «الارادة الشعبية» الذي خرج للساحة السياسية الفنزويلية ٢٠٠٩ ويقود «المعارضة السلمية» الآن، وكان رئيس الحزب الفعلي «ليوبولدو لوبيز» الذي قضى بين السجن والإقامة الجبرية..
في مبادرة من «غوايدو» – وهو الذي وصفه سابقاً «مادورو» بـ»الفتى الذي يتسلى بالسياسة – عرض على «مادورو» اصدار عفو عام» عنه، مقابل مغادرته السلطة، والاَّ فإن «المستقبل سيكون أكثر حزماً» بالتزامن مع «معالجة الوضع الإنساني، الذي تسبّب به هذا الديكتاتور»، وقال «على مادورو ان يرحل مع عصابته ويترك البلاد».
ومع الرئيسين في «دولة فيدرالية «قابلة للتقسيم، قادت واشنطن «الأزمة الفنزويلية» الى «مجلس الأمن» لدفعه للاعتراف بـ«غوايدو» رئيساً شرعياً لفنزويلا، وفي الوقت ذاته سارعت أمس الروسيا بالتأكيد على أنها لن تسمح لواشنطن بتمرير هذا الإجراء..
وعلى ضوء هذه الحال تعيش «فنزويلا» الآن عهد الرئيسين في ظل «حرب باردة جديدة» في «الفناء الخلفي» لـ»الويلات المتحدة الأميركية» التي لم تستبعد التدخل العسكري فيه حفاظاً على «أمنها القومي»..!!
يحيى أحمد الكعكي