كتب المحرر الاقتصادي:
أيام معدودة ويأتي أيلول … شهر الموسم الدراسي والتحضيرات لموسم الشراء، فيبدأ صراخ اللبنانيين تحذيراً من «ويل» وتلويحاً بـ»ثبور» التحركات الشعبية للضغط في اتجاه تبديد هذا الهمّ الحياتي المعيشي والحدّ من تفاقم الأزمة الاقتصادية الخانقة.
وغالباً ما تكون «إدارة الأزمات» هي المعيار الذي يقيس أداء السلطات حيال حقوق المجتمعات. ويتوّلد غضب الشارع حيال «التجاهل» أو «اللامبالاة» عند كل تقصير.
هذا الواقع لن يعدو كونه إنذاراً بضرورة تشكيل الحكومة في أسرع ما يمكن، لتفادي «الأعظم». وليس بعيداً من ذلك، وجوب أن يكون في سلم أولويات الحكومة الجديدة، تفعيل النمو وتطبيق الإصلاحات البنيوية، وفي هذا السياق لفت كبير الاقتصاديين ورئيس مديرية البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل في حديث إلى «الشرق»، إلى أن «من غير الكافي تشكيل الحكومة بل المطلوب حكومة متجانسة مصغرة وغير فضفاضة، تستطيع أن تتخذ القرارات وتضع تطبيق الإصلاحات البنيوية كما أن تحفيز الاقتصاد من أولى أولوياتها».
وتابع: الإصلاحات البنيوية أي تحسين الاستثمار وتطوير بيئة الأعمال عوامل تسبّب تراجعاً في تنافسية الاقتصاد اللبناني. وبالارقام لبنان يحتل المركز 105 بين 137 بلداً من ناحية تنافسية الاقتصاد، ويتقدم فقط على موريتانيا واليمن من هذه الناحية كبلد عربي بحسب المؤشر التنافسي العالمي الذي يصدره «المنتدى الاقتصادي العالمي».
واستشهد بالمسح السنوي الذي يجريه البنك الدولي على بيئة الاعمال، وقال «إن 70 في المئة من البلدان حول العالم لديها بيئة أعمال أفضل من لبنان»، وحدّد العوائق التس تعرقل تنافسية الاقتصاد اللبناني على الشكل الآتي: عدم الاستقرار السياسي، الفساد في القطاع العام، ترهّل البنى التحتية، صعوبة التعامل مع الإدارات العامة وكلفة المعاملات وتعقيداتها، عدم وضوح السياسات الاقتصادية والمالية، نسبة التضخم المرتفعة، نسبة الضرائب المرتفعة».
أضاف: بذلك إن أولوية الحكومة المقبلة إعادة تأهيل البنى التحتية وخفض عبء ما يشكله القطاع العام على كاهل الاقتصاد، وإذا ما طبّقت هذه الإصلاحات تساعد على تنافسية الاقتصاد اللبناني الذي يخفف من الأعباء التشغيلية على كاهل الاقتصاد ويرفع من التنافسية ويساعد على النمو.
الإصلاحات المالية
أما بالنسبة إلى الإصلاحات في المالية العامة، فقال غبريل: يجب خفض حاجات الدولة إلى الاستدانة من خلال خفض العجز في الموازنة، إنما مع تجنّب أي زيادة ضريبية، تبدأ طريقة تحسين الواردات ورفعها إلى الخزينة، بمكافحة التهرّب الضريبي خصوصاً أن هذا الموضوع مستشرٍ في لبنان، وتفعيل الجباية علماً أن 40 في المئة من الأسَر لا تدفع ضرائب و50 في المئة من السيارات في لبنان لا تدفع رسوم الميكانيك سنوياً. وإذا طُبّقت هذه الإصلاحات سترتفع واردات الخزينة إلى مليار دولار سنوياً.
أما بالنسبة إلى النفقات وخفضها، قال: على الرغم من أن ملف الكهرباء ومعالجته يشكّل عبئاً على الأسَر والاقتصاد، لكنه قبل ذلك يثقل كاهل الموازنة العامة، من هنا لا يمكن التركيز على الكهرباء كسبب للعجز في الموازنة، إنما ارتفاع كلفة الأجور والرواتب والمخصصات ومعاشات التقاعد للعمال في القطاع العام هي أبرز أسباب العجز. وهذه الكتلة تشكّل 38 في المئة من المصاريف العامة والنفقات العامة للدولة، أي أكثر من خدمة الدين وأكثر من تحويلات الخزينة الى مؤسسة كهرباء لبنان، لكذلك إن التركيز على الكهرباء لا يكفي بل الواجب التركيز على هذه الكتلة، وبالتالي وقف التوظيف العشوائي وإعادة إصلاح نظام التقاعد في القطاع العام خصوصاً أن معاشات التقاعد ارتفعت بين 2010 و2016 كما تم توظيف نحو 60 ألف شخص في القطاع العام، ما شكّل عبئاً أساسياً على المالية العامة الذي يفترض معالجته مع موضوع الكهرباء من أجل خفض العجز في الموازنة.
الطلب العقاري إلى ارتفاع
وفي المقلب الآخر، تحدث غبريل عن ارتفاع «مؤشر بنك بيبلوس للطلب العقاري في لبنان» في الفصل الثاني من العام بشكل أساسي، عازياً ذلك «إلى إعلان وزارة المال ووزارة الشؤون الاجتماعية في نيسان عن نيّة الحكومة تخصيص ألف مليار ليرة لبنانية لدعم الفائدة على القروض السكنية، الأمر الذي رفع توقعات المواطنين ذوي الدخل المحدود بإعادة العمل بالقروض السكنية المدعومة بعد توقفها في بداية العام».
كذلك أشار إلى «عامل آخر ساهم في تحسين نتائج المؤشر ولم يُسلّط الضوء عليه كفاية، هو إتمام مصرف لبنان والمصارف التجارية جميع الإجراءات المتعلقة بطلبات القروض السكنية المدعومة التي تمت الموافقة عليها والتي كان يُنتظر البت بها خلال الفصل الأول من السنة، مما أراح المواطنين الذين تقدموا بهذه الطلبات في تلك الفترة».
وتابع: ينتظر المواطن أن تُترجم نيات السلطات لإعادة العمل بالقروض المدعومة إلى إجراءات ملموسة، وإنّ أي تأخير أو غموض في هذه المسألة قد يؤثر سلباً على توقعات الأسَر ويؤدي إلى خفض إضافي للطلب على الشقق السكنية». وأضاف: إن استمرار وقف العمل بالقروض السكنية المدعومة من شأنه أن يؤثّر على رغبة المشترين المحتملين في شراء وحدة سكنية، علماً أن عملية الشراء تشكل أحد القرارات الاستثمارية الأكثر أهمية بالنسبة إلى اللبنانيين وأن الوحدة السكنية تمثل عادةً أهم الموجودات غير المالية لدى اللبناني المقيم.
وختم: من هنا، تقع المسؤولية الأساسية على عاتق السلطة التنفيذية، ليس فقط لإعادة دعم الفوائد على القروض السكنية لذوي الدخل المحدود، بل لتطوير سياسة إسكانية شاملة تحفّز الطلب على جميع فئات الوحدات السكنية كذلك.