في السادس عشر من تشرين الثاني 2025، يتوجه المحامون في بيروت إلى صناديق الاقتراع لاختيار نقيب وثمانية أعضاء جدد لمجلس النقابة، في استحقاق مهني بالغ الأهمية، لا يُختصر في الأسماء المرشحة، بل يتعداها إلى جوهر العمل النقابي، ومبدأ المحاسبة، وأسس الشفافية التي تُبنى عليها الثقة بين المحامي ونقابته. وفي هذا السياق، تطرح الميزانيات المالية المعروضة على الهيئة العامة إشكالية قانونية وأخلاقية لا يمكن التغاضي عنها، وهي غياب قطع الحساب منذ عام 2023 حتى تاريخه، ما يجعل من التصويت عليها دون تدقيق ومراجعة فعلًا يُخالف أبسط قواعد الإدارة السليمة، ويُهدد مبدأ المساءلة الذي يُفترض أن يكون حجر الزاوية في عمل أي مؤسسة نقابية.
إن الميزانية، وفقًا للأصول القانونية، لا تُعتبر مُكتملة إلا إذا اقترنت بقطع حساب يُبيّن كيفية صرف الأموال، ويوضح مدى التزام المجلس الحالي والمجالس السابقة بالقواعد المالية المرعية. فكيف يُمكن أن نُقرّ ميزانيات دون أن نطّلع على تفاصيل الإنفاق؟ وكيف يُمكن أن نُبرئ ذمة مجلس دون مستندات مالية دقيقة؟ وهل يُعقل أن يُطلب من الهيئة العامة أن تُصادق على ميزانيات دون أن تُعرض عليها تقارير تدقيق مالي مستقل، أو أن تُمنح فرصة حقيقية لمناقشة أوجه الصرف والتوظيف؟
إن التصويت بـ”نعم” على هذه الميزانيات، في ظل غياب قطع الحساب، لا يُعدّ مجرد إجراء شكلي، بل هو إقرار ضمني بشرعية إدارة مالية غير واضحة، وقد يُفسّر لاحقًا على أنه تخلٍّ عن حق المحامين في المحاسبة والمساءلة. وهذا ما لا يليق بمهنة المحاماة، التي تقوم على كشف الحقيقة، والدفاع عن الحقوق، ومواجهة أي خلل في تطبيق القانون.
من هنا، فإن رفض توقيع الميزانيات ليس موقفًا سياسيًا، ولا هو موجّه ضد أحد، بل هو تعبير عن حرصنا على نقابتنا، وعلى أموالنا، وعلى مستقبلنا المهني. هو موقف علمي، قانوني، وأخلاقي، يُعبّر عن التزامنا بالمبادئ التي نُدافع عنها يوميًا في المحاكم، ويُعيد الاعتبار إلى دور الهيئة العامة كمصدر رقابة ومساءلة، لا كمجرد جهة تصادق دون تمحيص.
إننا، كمحامين، لا نُشكك بأحد، ولا نُسيء إلى أحد، بل نُطالب بما هو حق لنا جميعًا: الشفافية، والمحاسبة، والوضوح المالي. ونرفض أن نُعامل كموقّعين صامتين، أو كأرقام تُستخدم لتبرير موازنات غير مدققة. نقابتنا تستحق إدارة مالية شفافة، ونحن نستحق أن نُعامل كمحامين مسؤولين، يُدركون أن التصويت على الميزانية هو فعل قانوني له تبعاته، وليس مجرد إجراء إداري عابر.
فلنُصوّت بضمير، ولنُطالب بما هو حق، ولنحفظ كرامة مهنتنا، ولنُعيد الاعتبار إلى دورنا كهيئة عامة لا تُصادق إلا على ما يُعرض عليها وفقًا للأصول، وبما ينسجم مع القانون، ومع أخلاقيات المهنة التي نعتز بها.
المحامي كميل حبيب معلوف



































































