المصدر:بلومبرغ
حوّلت شركة الطاقة المتجددة الرئيسية في أبوظبي مليارات الدولارات من استثمارات كانت مخصصة للهيدروجين الأخضر إلى دعم مساعي الإمارة في مجال الذكاء الاصطناعي. ويعكس هذا التحول غياب الطلب على وقودٍ كان يُنظر إليه يوماً ما محورياً في التحول نحو الطاقة النظيفة، ما يدفع الشركات إلى إعادة تقييم خططها.
قال الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر)، محمد جميل الرمحي، في مقابلة إن الطلب العالمي على منتجات الهيدروجين النظيف جاء أقل من التوقعات، فيما تتزايد احتياجات مراكز البيانات من الكهرباء بوتيرة متسارعة، وهو ما دفع الشركة إلى تعديل مسارها.
أوضح الرمحي: “كانت خطتي الأصلية تقوم على توليد 6 غيغاواط من الطاقة المتجددة لإنتاج نحو 350 ألف طن من الأمونيا الخضراء”، وهو مركّب يدخل فيه الهيدروجين الأخضر. لكنه أضاف أن الكهرباء الناتجة عن المشروع الشمسي، الذي تبلغ تكلفته 6 مليارات دولار في الصحراء، جرى تحويلها لتغذية مراكز البيانات.
مأزق مطوري الهيدروجين الأخضر
يعكس قرار “مصدر” المعضلة التي يواجهها مطورو مشاريع اندفعوا بقوة نحو الهيدروجين الأخضر عندما كان محط آمال كبرى للاستثمار. لكن ضعف الطلب نتيجة التكاليف المرتفعة أجبر شركات عدة حول العالم على الانسحاب من مشاريع قائمة، ما أثار الشكوك حول مستقبل هذه الصناعة.
قال الرمحي: “اليوم، يواجه الهيدروجين الأخضر ضغوطاً والسوق تنكمش. كثيرون ممن دخلوا هذا المجال خرجوا منه، لكننا ما زلنا فيه”. وأضاف: “علينا أيضاً احترام الديناميكيات العالمية. إذا أردت إنتاج أمونيا خضراء اليوم، فمن سيكون المشتري؟”.
تعوّض “مصدر” بطء خططها في مجال الهيدروجين الأخضر عبر التوجه للاستفادة من الطفرة المرتقبة في استهلاك الكهرباء من قبل مراكز البيانات عالية الاستهلاك للطاقة.
تتبنى دولة الإمارات أحدث التقنيات عبر التخطيط لمشاريع ضخمة، في أعقاب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الشرق الأوسط في وقت سابق من العام.
مشاريع ضخمة للطاقة والبنية التحتية
من بين أضخم المشاريع من هذا النوع عالمياً، يجري في الإمارات تطوير مشروع “ستارغيت” بقدرة 5 غيغاوات. كما تعتزم شركة “الإمارات للاتصالات المتكاملة” (دو) إنشاء مركز خاص بها بالشراكة مع “مايكروسوفت”، بتكلفة ملياري درهم (545 مليون دولار).
بحسب تقديرات “سيتي ريسيرش”، فإن تلبية طفرة الطلب على الطاقة في مراكز البيانات عالمياً ستتطلب أكثر من ثلاثة أضعاف الاستهلاك الحالي بحلول نهاية العقد مقارنة بعام 2023. وأوضح الرمحي أن “مصدر” تستعد لمواكبة هذا الطلب المتزايد.
وأضاف الرمحي: “مهمتي الجوهرية ليست إنتاج الهيدروجين أو الألمنيوم أو غيرهما، بل تكمن في توفير القدرة الكهربائية من مصادر خضراء”.
من شأن التوسع في الطاقة الخضراء أن يساعد أبوظبي على تحقيق هدفها بإنتاج 60% من الكهرباء من المصادر المتجددة والنووية بحلول عام 2035.
قال الرمحي إن “مصدر” تسعى للوصول إلى 100 غيغاواط من القدرة العالمية للطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وقد حققت بالفعل 51 غيغاواط حتى الآن.
الهدف المتعلق بالهيدروجين
كانت الإمارات قد أعلنت في وقت سابق عن نيتها تطوير طاقة إنتاجية تبلغ مليون طن سنوياً من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2031، غير أن قرار “مصدر” الأخير يجعل تحقيق هذا الهدف أبعد مما كان متوقعاً.
كانت ” مصدر للهيدروجين الأخضر”، التابعة للشركة، قد حدّدت هدفاً يتمثل في تطوير قدرة إنتاجية تبلغ مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، لكن هذا الهدف تآكل تدريجياً مع مرور الوقت. ورغم وجود بعض المشاريع قيد التطوير، فإن أياً منها لم يحصل حتى الآن على موافقة لجنة الاستثمار بالشركة.
تحديات عالمية في قطاع الهيدروجين الأخضر
واجهت شركات أخرى حول العالم تحديات مشابهة في قطاع الهيدروجين الأخضر، إذ أعلنت “بي بي” الشهر الماضي انسحابها من مشروع ضخم بقيمة 36 مليار دولار في أستراليا الغربية، كما يواجه مطوّر في “نيوم” بالسعودية صعوبات في تسويق إنتاج منشأة لا تزال قيد الإنشاء.
يُعد مشروع “فيرتيغلوب” في مصر، التابع لإحدى الشركات الإماراتية المملوكة للدولة، من بين قلة من مشاريع الهيدروجين الأخضر في الشرق الأوسط التي وصلت إلى مرحلة الإنشاء. وقد كان الحصول على اتفاق لشراء الإنتاج، عبر آلية مدعومة من الحكومة الألمانية، عاملاً حاسماً في المضي قدماً بتنفيذه.
قال الرمحي إن مستقبل الهيدروجين الأخضر مرهون بتقارب تكلفته مع ما يُعرف بالهيدروجين الرمادي، المنتج من الوقود الأحفوري عبر عملية تُطلق ثاني أكسيد الكربون في الجو. وتابع: “نعمل على محاولة إنتاج جزيئات خضراء بسعر تنافسي… فهذا هو الحل الوحيد”.