أظهر مؤشر “جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة” للفصل الثاني من سنة 2025 (Q2 – 2025) انتعاشاً نسبياً في الأسواق. في حين يتوقّع البنك الدولي نمو الناتج المحلي وتراجع التضخّم.
ولفت إلى أن “الأجواء السائدة خلال الربع الثاني لسنة 2025 كانت إيجابية نسبياً، حيث كان معظم الأفرقاء يترقـّـبون تحسـّـناً مرحلياً في الفترة المقبلة. وأن هذه الإيجابية قد لاقت صدىً لدى المستهلكين في الأسواق المحلية، حيث شهدت الحركة التجارية تحسـّـناً ملحوظاً عمّا كانت عليه سابقاً، في حين أتت النتائج الفصلية لتُظهر آمال متجدّدة ببدء استعادة العافية”.
وفنّد بالأرقام الآتي: “سجّل “مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة” للفصل الثاني من سنة 2025 مستوى 33.13 (بالمقارنة مع 30.01 في الفصل السابق)، بعد الإشارة الى أن المؤشر الأساس (100) الذي قد تم تبنّيه هو للفصل الرابع لسنة 2019، وأن تضخم الأسعار خلال الفصل الثاني من سنة 2025، وفقاً لإدارة الإحصاء المركزي، بلغ + 2.76 %.
أهم العوامل التي أدّت الى الإيجابية، قد تضمـّـنت الجهود المكثفة المبذولة فيما يتعلـّـق بالإصلاحات، والعمل الجاد والدؤوب في إعادة توطيد العلاقات والتعاون مع الشركاء الدوليين، ولا سيما الخليجيين منهم. وقد شهد الحراك الدبلوماسي نشاطاً متميـّـزاً، في حين باشر السيد كريم سعيد مهامه كحاكم لمصرف لبنان، متعهـّـداً بتنفيذ إصلاحات جوهرية في مجالات مكافحة غسل الأموال وتعزيز استقلالية السياسة النقدية، كما وحماية أموال المودعين، الأمر الذى يبشر بالتمكـّـن من إعادة الثقة الى النظام المصرفي واستعادة دورة مالية طبيعية في البلاد.
وبالتوازي، قام المجلس النيابي خلال هذه الفترة بتعديل قانون السرية المصرفية، كما وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون لإعادة هيكلة القطاع المصرفي. وتزامناّ، بدأت بعض الجهات الدولية كالبنك الدولي والفاو وغيرها بمـَـنح لبنان قروض – ولو متواضعة، لمساعدة الحكومة في البدء بتنفيذ مشاريع إصلاحية (250 مليون دولار مثلاً من البنك الدولي لدعم قطاع الكهرباء ومعالجة أزماته). وأشار أيضاً البنك الدولي خلال هذه الفترة الى أنه لمس تحسـّـناً في الأداء الاقتصادي، وتوقـّـع نمو الناتج المحلي الإجمالي اللبناني بنسبة 4.7 % خلال عام 2025، مدعوماً بزخم الإصلاحات واستقرار سعر الصرف وإعادة انتعاش القطاعين السياحي والاستهلاكي، ولو بشكل نسبي. أخيراً، ومع أن أسعار اليوروبوندز ظلّت تتحسـّـن – ولو بشكل متواضع، إنما ظلّ التصنيف الدولي للبنان في القائمة الرمادية للدول عالية المخاطر، الأمر الذي كان من شأنه زيادة الضغوط على الحكومة لتسريع وتيرة الإصلاحات.
إن إنجازات الحكومة، وتشريعات المجلس النيابي، بالرغم من وتيرتها البطيئة، هي المحرّك الأول للانتعاش واستعادة العافية، وإن لا شك في أن التعافي الصحيح لن يحصل قبل حلّ المسائل الجوهرية التي تعيق عودة لبنان الى سابق عهده، لا سيما بعد تطبيق الإصلاحات المطلوبة – وأهمـّـها إقرار قانون الفجوة المالية ومساعدة المصارف في استعادة دورها المحوري في الحياة الاقتصادية، ووضع خطـّـة سداد ترضي المودعين، ومكافحة الفساد في الإدارات كما وكبح الدورة التجارية غير الشرعية ، علاوة على التوصـّـل لصيغة تسوية ضريبية مع وزارة المالية لكل الشركات والمؤسسات – الأمر الذى تعمل عليه جاهدة جمعية تجار بيروت، تمهيداً لانطلاقة جديدة لكافة الأطراف الاقتصادية على أسس سليمة.
كل ذلك ناهيك طبعاً عن الخطط والاتفاقات الموضوعة لرجوع النازحين الى بلادهم الأمر الذي سوف يـُـعيد بالتأكيد التوازن في النفقات العامة ويسمح بتوسيع قاعدة فرص العمل للشباب اللبناني.
وصل المؤشر الى مستوى 33.13 في الفصل الثاني من سنة 2025 (30.01 في الفصل السابق) مع تسجيل تحسـّـن حقيقي فصلي للنتيجة المجمـّـعة لقطاعات تجارة التجزئة، مع استثناء مبيعات المحروقات التي شهدت هي الأخرى ارتفاعاً بنسبة + 3.51 % فقط من حيث الكميات (بعد + 29.24 % في الفصل السابق).
وقد سجـّـلت أرقام الأعمال في الأسواق، في كافة القطاعات، تحسـّـناً ملحوظاً، حيث أظهرت النتيجة المجمـّـعة لقطاعات تجارة التجزئة تراجعاً سنوياً حقيقياً بلغ – 0.86 % فقط بالمقارنة مع ما كانت عليه في الفصل الثاني من السنة الماضية، وتحسـّـناً فصلياً حقيقياً ملحوظاً عمـّـا كانت عليه في الفصل السابق، حيث بلغت نسبته + 11.53 % بالمقارنة مع أرقام الفصل الأول لسنة 2025 (مع استثناء قطاع المحروقات في الحالتين).
أما لجهة التضخـّـم، أشار البنك الدولي في أحدث تقرير له عن لبنان أنه يتوقـّـع تراجعاً في معدّل التضخـّـم، بلغت نسبة التضخـّـم السنوية في الفصل الثاني لهذه السنة 15.00%، مسجـّـلة بذلك انخفاضاً بأكثر من 5 % بالمقارنة مع ما كانت قد بلغت في الفصل الثاني لسنة 2024 (+ 20.74%)، في حين هبطت نسبة التضخـّـم الفصلية (أي ما بين الفصل الأول والفصل الثاني لسنة 2025) بنسبة قوية من مستوى + 14.19% الى فقط + 2.76%، مع التمنّي بأن يرافق هذا المسار التنازلي استعادة مرحلية للقدرة الشرائية.
أن حجم الكتلة النقدية واصل ارتفاعه ليلامس الـ 30 ترليون ليرة في أواخر الفصل الثاني، الأمر الذي يثير التساؤلات حول مستقبل سعر صرف الليرة اللبنانية في الوقت الذي توقّف فيه مصرف لبنان من تمويل إنفاق الدولة اللبنانية. وهنا تبرز أهمية المزيد من الإسراع في ضبط السياسة المالية للدولة والاستقلالية الفعلية للسياسة النقدية، وذلك مساهَمة في إعادة تنشيط الاقتصاد والدورة الاقتصادية في البلاد، بحيث يصبح حجم الكتلة النقدية عاملاً إيجابياً يشجـّـع الاستثمار والاستهلاك على حدّ سواء وليس سبباً لارتفاع سعر الدولار وزيادة نسبة التضخّم.
إن نسبة التضخـّـم السنوية لهذا الفصل قد شهدت، أدنى مستوىً لها منذ أواخر الـ 2019 (+ 15.00%)، وأيضاً الهبوط الفصلي (أي ما بين الفصلين الأول والثاني) الذي كان ملحوظاً جداً، من + 14.19% الى فقط + 2.76%.
ومع بدء ظهور مؤشرات إيجابية، يبقى التعافي المستدام مرهوناً بحل الملفات الجوهرية. لذلك، فإن التوصيات للمرحلة التالية هي:
– إقرار قانون الفجوة المالية ومساعدة المصارف على استعادة دورها، مع وضع خطة سداد مرضية للمودعين.
– المسارعة في وضع خطة واضحة لإدارة الدين العام وإعادة هيكلة اليوروبوندز، حيث أن ذلك يشكل عاملاً ضاغطاً على الوضع المالي، ويؤثر على قدرة الدولة على استقطاب استثمارات خارجية.
– تسليط الضوء على ردع الفساد والاقتصاد غير الشرعي (التهريب، التجارة غير الرسمية، الخدمات غير المسجلة)، حيث أن ذلك يواصل سحب السيولة من الدورة الاقتصادية الرسمية، وقد يحدّ من فاعلية الإصلاحات.
– معالجة ملف عودة النازحين الأمر الذى سيُسهم في إعادة التوازن للمالية العامة وتوسيع فرص العمل للبنانيين.
وفي الختام، تجدر الإشارة الى وجوب تفادي بطء وتيرة تنفيذ تلك التوصيات، حيث أنه قد يبدّد المناخ الإيجابي ويعيد حالة الترقـّـب والجمود في الأسواق”.