أكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون انه رغم الانهيار الكبير الذي شهده لبنان خلال السنوات الماضية على مختلف الأصعدة، كان الاغتراب النبض الوحيد الذي ظل ثابتا، والمغتربون كانوا دائماً أول من لبى النداء وقت الحاجة، وكانوا أحياناً كثيرة أسرع وأكثر فعالية من الدولة. ورأى ان لبنان اليوم، ليس في حاجة فقط إلى دعم مالي بل إلى شراكة حقيقية، حيث يكون المغترب مستثمراً وناقلاً للمعرفة، وشريكاً في التخطيط وفي القرار، وأن يأتي حاملاً معه فكراً جديداً، وشبكة علاقات واسعة، وإرادة لخلق فرص عمل من خلالها، ويدعم المشاريع الصغيرة التي تنبض بالحياة في كل منطقة من لبنان. ولفت الى ان “منطقتنا تشهد اليوم تحولات كبيرة، وهناك استثمارات عملاقة في مجالات جديدة، ولهذا السبب، علينا العمل على ديبلوماسية اقتصادية جدية، تفتح للبنانيين أبواب العمل والاستثمار ليس في الخارج فقط، بل في لبنان أيضاً. وعلينا ان نخلق الفرص هنا، ونعيد الأمل لكل شاب وشابة يبحثون عن مستقبل يليق بطموحاتهم، ويجعلهم يبقون في هذا البلد. ولذلك، دعا الرئيس عون الى ضرورة “أن نعيد ربط لبنان بدور إقليمي منتج، يكون حاضراً في إعادة الإعمار، والمشاريع الإقليمية، والتحولات الكبرى التي تعيد رسم خريطة الاقتصاد في المنطقة”.
كلام رئيس الجمهورية جاء خلال رعايته افتتاح مؤتمر “الاقتصاد الاغترابي الرابع” الّذي انعقد صباح اليوم في فندق “فينيسيا” في بيروت ونظمته مجموعة “الاقتصاد والأعمال” بالاشتراك مع وزارة الخارجية والمُغتربين وبالتعاون مع الهيئات الاقتصادية اللبنانية المُقيمة والاغترابية.
وقائع المؤتمر افتتح المؤتمر بكلمة للرئيس التنفيذي في مجموعة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبو زكي هنا نصها: “أهلاً بكم جميعًا مغتربين ومقيمين في مؤتمر الاقتصاد الاغترابي الرابع الذي ينعقد في ظروف لبنان الصعبة. وهذا المؤتمر الذي بدأته مجموعة الاقتصاد والاعمال العام 2015 سيستمر انعقاده سنوًيا، ودورته الخامسة في الصيف المقبل. وما تقوم به المجموعة يتكامل مع الجهود التي تبذلها جهات عديدة رسمية وأهلية وفي طليعتها وزارة الخارجية والمغتربين واتحاد الغرف اللبنانية والجامعة اللبنانية الثقافية في العالم ناهيك عن مبادرات المغتربين أنفسهم في غير بلد. يشارك معنا اليوم نحو 450 شخصية اقتصادية أكثرهم من المغتربين الوافدين من 37 بلدًا لا سيما من الخليج العربي. و يشكل المؤتمر، منصة دائمة للتلاقي والحوار ونسج العلاقات والمصالح سواء بين المغتربين أنفسهم أم بينهم وبين بلدان الاغتراب”.
فواز ثم ألقى الرئيس العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية عباس فواز الكلمة الآتية: “تحت رعاية كريمة من فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون، نلتقي اليوم في هذا المؤتمر الاقتصادي الاغترابي، وهو مناسبة نُعبّرُ فيها مجدّداً كمغتر بين وكجامعة لبنانية ثقافية في العالم عن أملنا الكبير بمستقبل وطنِنا الحبيب تحت إدارة هذه القيادة الحكيمة، عبْرَ السعي الدائم الذي نتلمّسه لإيجاد الحلول والعلاجات السليمة للمشاكل والأزمات الكبرى التي مرّت علينا وما زلْنا نُعاني منها. يُشكِّلُ الاغتراب اللبناني ركيزةً أساسيةً من ركائز الاقتصاد الوطني، ليس فقط عبْر التحويلاتِ المالية التي ترقُدُ ميزان المدفوعات، بل مِن خلال دوره الحيويّ في فتْحِ أسواقٍ خارجية، ونقل المعرفة والخُبُرات، وتقديم فرص استثمارية نوعية داخل لبنان. يتميّزُ اللبنانيون في عالم الاغتراب بحضورهم الفاعل في مختلف القطاعات الاقتصادية حول العالم، من التجارة والصناعة، إلى التكنولوجيا والخدمات. وقد أثبَتَتْ الجاليات اللبنانية أنّها رائدة، بِما تَعْكِسُه من صورةٍ مُشرّفةٍ وقُدرةٍ على التأثير والمبادرة. إنّ مُشاركة المغتربين في المؤتمرات الاقتصادية، لا سيّما مؤتمرُنا الحالي هي خُطوة أساسية نحو إعادة بناءِ الثقة وتعزيز التفاعل بين لبنان المُقيم ولبنان المُنتشر وصولاً إلى اقتصادٍ أكثر استدامة وانفتاحاً على العالم”.
شقير ثم تحدث رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير مرحّباً بالرئيس عون وبالحضور وقال: “التحية لفخامة الرئيس جوزاف عون على قيادته الحكيمة وجهوده المتواصلة لبناء دولة قادرة وعادلة، ولرعايته هذا المؤتمر الوطني المهم في مضمونه وأهدافه… ونحن على يقين، بأنه مع العهد الجديد، تتجدد الآمال بترسيخ حضور المغتربين الفاعل في وطنهم، على مختلف المستويات.
في مستهل كلمتي، أكرر شكري لمغتربينا الأعزاء الذين أثبتوا التزامهم الوطني والإنساني، ووقفوا إلى جانب وطنهم وأهلهم في أصعب المراحل: خلال الأزمة الاقتصادية، وبعد إنفجار مرفأ بيروت المأساوي. ولقد ساهم دعمهم وتحويلاتهم السخية إلى جانب جهود القطاع الخاص الجبارة بتجنب انهيار إقتصادي واجتماعي شامل.
بالتزامن مع مؤتمرنا يعيش لبنان فرحةً كبيرة بقدوم أبنائه من أنحاء العالم لقضاء الصيف مع أهلهم وأحبائهم.
كما أن الحركة الاقتصادية الناشطة التي نشهدها اليوم نتيجة توافد أعداد كبيرة من المغتربين والزوار العرب والأجانب، تشكل مؤشراً إيجابياً، حيث شهدنا انتعاشاً ملحوظاً في الأسواق والسياحة وقطاعات متعددة. هذا أيضاً إنجاز يُسجَّل للعهد وللحكومة، إلى جانب التقدم الحاصل على مستوى الإصلاح.
لن أتطرق إلى السياسة، ولكن لا بد من التوقف عند بعض الثوابت لتحفيز المغتربين على الانخراط في الحياة الاقتصادية في لبنان، وأبرزها:
– أولاً، تكريس حقوق المغتربين قولاً وفعلاً، وضمان المساواة الكاملة بينهم وبين المقيمين.
– ثانياً، بناء دولة قوية، سيدة ومستقلة وعادلة، يُحصَر فيها السلاح بالمؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية وحدها، بما يضمن استقراراً مستداماً.
– ثالثاً، تعزيز حضور المغتربين في الخارج، من خلال إقامة علاقات بناءة بين لبنان والدول الشقيقة والصديقة، ومنع أي إساءات تصدر من الداخل بحق هذه الدول.
أما على الصعيد الاقتصادي، فالمطلوب: تنفيذ الإصلاحات الشاملة، إيجاد حل عادل للمودعين، خلق بيئة محفزة للأعمال والاستثمار، وتحديث قانون الاستثمار بما يواكب المتغيرات العالمية ويجذب المستثمرين من لبنانيين وعرب وأجانب”.
الرئيس عون
بعد ذلك، ألقى الرئيس عون الكلمة الآتية: “أصحاب المعالي والسعادة، السيدات والسادة، إخوتي اللبنانيين المنتشرين في جميع دول العالم، إن وجودي اليوم بينكم عبارة عن: امتنان… وأمل. امتنان لكل واحد منكم جاء من أقاصي الدنيا، ليقول: نحن مع لبنان. وأمل كبير فيكم، لأنكم لم تبتعدوا يوماً عن هذا البلد، لا بالروح ولا بالفعل. هذا المؤتمر ليس مجرد مناسبة اقتصادية، هو أولاً وقبل كل شيء لحظة لقاء. لقاء بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر. بين من بقي وصمد هنا، وبين من حمل الوطن في قلبه أينما ذهب. رغم الانهيار الكبير الذي شهده لبنان خلال السنوات الماضية على مختلف الأصعدة، كان الاغتراب النبض الوحيد الذي ظل ثابتا. كنتم دائماً أول من لبى النداء وقت الحاجة، وكنتم أحياناً كثيرة أسرع وأكثر فعالية من الدولة. وعندما انقطعت تقريباً كل مصادر الدخل، بقي شريان واحد مفتوح: هو أنتم! ومنذ بداية الأزمة، بلغ معدل التحويلات 6.5 مليار دولار في السنة. وفي ذروة الانهيار شكلت هذه التحويلات 33% من الناتج المحلي. هذه الأرقام تتحدث عن نفسها، وقد أثبتتم أن الاغتراب لم يكن ولن يكون يوماً بعيداً عن لبنان، بل كان ولا يزال السند والأمل. لكن اليوم، نحن لسنا في حاجة إلى دعم مالي فقط. نحن في حاجة إلى شراكة حقيقية. نريد للمغترب أن يكون مستثمراً، وناقلاً للمعرفة، وشريكاً في التخطيط وفي القرار. نريد منه أن يأتي حاملاً معه فكراً جديداً، وشبكة علاقات واسعة، وإرادة لخلق فرص عمل من خلالها، وليدعم المشاريع الصغيرة التي تنبض بالحياة في كل منطقة من لبنان”.
ثم قدّم ابو زكي للرئيس عون مجموعة “الاقتصاد والأعمال” جائزة الريادة في الإنجاز.