ثبت مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة عند نطاق 4.25% – 4.5% للمرة الخامسة على التوالي، في قرار جاء متوافقا مع التوقعات، وذلك رغم تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل دقائق من صدور القرار بأن إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة يضر بالناس.
وصوّتت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، وهي الجهة المسؤولة عن تحديد سعر الفائدة على القروض لليلة واحدة، بأغلبية 9 أصوات مقابل صوتين لصالح الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير .
وحدث انقسام في مجلس الفيدرالي الأميركي لأول مرة منذ 32 عاما، حيث صوت عضوان في اللجنة ضد قرار التثبيت، مفضلين خفض الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية خلال اجتماع اليوم .
قد يكون الاجتماع من أكثر الاجتماعات حساسية خلال الأعوام الأخيرة، مع مؤشرات بوادر انقسامات محتملة داخل اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، في سابقة قد تكون الأولى منذ ما يقرب 3 عقود.
المجلس وقف اليوم على مفترق طرق، وسط ضبابية متزايدة تحجب الرؤية عن المسار النقدي الأمثل. وبينما يرفع البيت الأبيض صوته مطالبا بتيسير سريع، تُبقي البيانات الاقتصادية عدم منح مجال للحسم. وفي هذه اللحظة الحرجة، تتحول كل عبارة يصدرها رئيس الفيدرالي إلى إشارة مصيرية، قد ترسم ملامح المرحلة المقبلة لأكبر اقتصاد في العالم.
تسيطر حالة متصاعدة من الضبابية على توجهات السياسة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، في ظل تباين المؤشرات الاقتصادية وتشابك الضغوط المحلية والدولية جراء الحرب التجارية، ما يحد من قدرة المجلس على تبني مسار حاسم تجاه أسعار الفائدة.
ورغم التحسن التدريجي في بيانات التضخم، فإن تذبذب أرقام التوظيف والغموض المرتبط بتداعيات الرسوم الجمركية المقترحة، تدفع صناع القرار إلى انتهاج مسار أكثر حذرا، يوازن بين مخاطر التسرع في خفض الفائدة ومخاطر التأخر في اتخاذ القرار.
ويؤكد الفيدرالي في بياناته الرسمية أن “المخاطر التي تواجه تحقيق أهداف اللجنة لا تزال متوازنة”، مع تكرار الإشارة إلى أن “التوقعات غير مؤكدة بدرجة كبيرة” وأن المجلس”شديد الانتباه لمخاطر التضخم.
ومع تعدد مصادر الضغط من التضخم الأساسي العنيد، إلى أستقرار سوق العمل، وتأثيرات السياسة التجارية يبدو الفيدرالي في موقع دفاعي، مفضلا إبقاء جميع الخيارات مفتوحة دون تقديم إشارات واضحة للأسواق بشأن مسار الفائدة المستقبلي.
تراجعت احتمالات خفض أسعار الفائدة الأميركية في ايلول سبتمبر إلى 56%، بانخفاض 7 نقاط مئوية، وفقا لأداة “فيد واتش”، في ظل بيانات اقتصادية حديثة قللت من مبررات التيسير النقدي، على الرغم من تصاعد الضغوط السياسية من البيت الأبيض.
وأظهرت التقديرات الأولية أن الناتج المحلي الإجمالي الأميركي نما بنسبة 3.0% خلال الربع الثاني، متجاوزا التوقعات، ما يشير إلى متانة النشاط الاقتصادي. كما أضاف القطاع الخاص أكثر من 100 ألف وظيفة خلال تموز يوليو، متجاوزا التقديرات البالغة 76 ألف وظيفة، في دلالة على استمرار الزخم في سوق العمل.
من جهة أخرى، ارتفع مؤشر “الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي” وهو المعيار المفضل للفيدرالي بنسبة 2.7% في ايار مايو، ليظل أعلى من مستهدف البنك البالغ 2%. وتُرجح هذه المعطيات بقاء الفيدرالي على سياسة التريث دون خفض للفائدة، إلى حين تقييم آثار الرسوم الجمركية الجديدة، ومراقبة اتجاهات الطلب المحلي خلال ما تبقى من العام.
في تصعيد مباشر للضغوط السياسية، هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاحتياطي الفيدرالي مجددا، مغردا بعد صدور بيانات الناتج المحلي: “3%، أفضل بكثير من المتوقع! تأخرتم كثيرًا. يجب الآن خفض سعر الفائدة. لا يوجد تضخم!”، في دعوة صريحة للفيدرالي بالإسراع في خفض الفائدة رغم قوة المؤشرات الاقتصادية.
وتزامن ذلك مع زيارة نادرة أجراها “ترامب” لمقر الفيدرالي قبل أيام، ليكون بذلك رابع رئيس أميركي فقط يزور المجلس، في تحرك غير تقليدي قبل اجتماع حاسم للسياسة النقدية. الزيارة شهدت انتقادات علنية من الرئيس لترميم مبنى الفيدرالي، حيث استشهد بورقة أشار فيها إلى أن تكلفة المشروع تجاوزت 3 مليارات دولار، إلا أن رئيس الفيدرالي جيروم باول أوضح أن الرقم يشمل مبنى آخر جرى الانتهاء منه بالفعل.
ورغم نفي ترامب وجود نية لإقالة باول، إلا أن وفده شمل رئيس وكالة تمويل الإسكان الفيدرالية بيل بولتي، الذي سبق أن اتهم باول بتضليل الكونجرس بشأن كلفة الترميم، ودعاه إلى الاستقالة. وتأتي التحركات في توقيت حساس قد يُفسَّر على أنه محاولة لدفع الفيدرالي نحو تبني موقف أكثر تيسيرا ,.