إذا وضعت ورقة نقدية من فئة دولار أميركي واحد تحت وسادتك، فإنك ستحصل على الورقة نفسها عندما تعود للبحث عنها، وإن العملة الورقية ستظل تساوي دولاراً واحداً. وقد نشأت فئة من العملات المشفّرة تُعرف باسم العملات المستقرة، انطلاقاً من فكرة أن هذا المستوى من الاعتمادية يمكن تكراره بطرق جديدة.
باتت العملات المستقرة عنصراً حيوياً في تشغيل أسواق العملات المشفرة، إذ بلغ إجمالي المتداول منها نحو 260 مليار دولار في يوليو من العام الحالي. كما أنها تخضع لتدقيق متزايد من الجهات التنظيمية التي بدأت بفرض قواعد على هذا القطاع.
ما هي العملات المستقرة؟
هي أصول رقمية صُممت للحفاظ على قيمة ثابتة، على عكس تقلبات الأسعار التي تشهدها عملات مشفرة شهيرة مثل بتكوين وغيرها. وغالباً ما تكون مرتبطة بعملة تقليدية، وعادة ما تكون الدولار الأميركي.
لا تُستخدم العملات المستقرة على نطاق واسع في شراء السلع والخدمات، بل يشتريها مستثمرو العملات المشفرة باعتبارها وسيلة آمنة للاحتفاظ بأرباحهم دون الحاجة إلى تحويلها مجدداً إلى أموال حقيقية. كما تُستخدم كعملة وسيطة مريحة عند التحول بين أصول رقمية مختلفة أو بين منصات تداول متعددة.
يوجد العشرات من العملات المستقرة المتداولة حالياً، وأكثرها شيوعاً “تيثر” (Tether)، التي يمكن استبدالها بآلاف العملات المشفرة الأخرى.
كيف تحافظ العملات المستقرة على قيمتها؟
تقول غالبية الجهات التي تُصدر العملات المستقرة إنها تحتفظ بأموال نقدية أو أصول أخرى توازي قيمة العملات المتداولة. فعلى سبيل المثال، عندما يدفع المستخدم دولاراً واحداً لشركة “تيثر” مقابل الحصول على رمز مشفر، من المفترض أن يُحتفظ بذلك المبلغ في أصول آمنة نسبياً مثل النقد أو أذون الخزانة الأميركية.
اقرأ المزيد: أليسون شراغر: تنظيم العملات المستقرة يتطلب قانوناً عبقرياً حقاً
هناك أيضاً عملات مستقرة تعتمد في الحفاظ على قيمتها على عملات مشفرة أخرى أو استراتيجيات تداول أو باستخدام خوارزميات. فعلى سبيل المثال، عملة “يو إس دي إي” (USDe) التي تُصدرها شركة “إيثينا” (Ethena) وتُعد من أكبر الرموز المشفرة بين بدائل الدولار الرقمي، تستخدم نسخة من استراتيجية التحوّط المعروفة بـ”الصفقة الأساسية” لدعم ارتباطها بالدولار.
تعتمد عملات مستقرة أخرى على خوارزميات تضبط المعروض منها، إذ تُصدر مزيداً من العملات عندما يتجاوز سعرها القيمة المرجعية للأصل المربوط به لجعل السعر ينخفض، وتُقلص المعروض عندما يقل السعر عن قيمة الأصل المربوطة به لتدفعه إلى الارتفاع مجدداً. تراجعت جاذبية هذه العملات “الخوارزمية” بعد انهيار أكبرها، وهي عملة “تيرا يو إس دي” (TerraUSD) والعملة المشفرة الشقيقة “لونا” (Luna)، في 2022، حين خسرتا معاً نحو 60 مليار دولار من القيمة السوقية خلال أيام قليلة.
من هي الأطراف الفاعلة؟
تهيمن عملتا “يو إس دي تي” (USDT) التابعة لـ”تيثر” و”يو إس دي سي” (USDC) التابعة لشركة “سيركل” (Circle) على سوق العملات المستقرة، إذ تمثلان معاً أكثر من 80% من حجم السوق.
مع اتساع تبني العملات المشفرة، بدأت شركات مالية وتقنية كبرى بالدخول تدريجياً إلى هذا المجال. حاولت شركة “ميتا بلاتفورمز” المالكة لـ”فيسبوك” و”إنستغرام” إطلاق عملة مستقرة في 2019، لكن المشروع انهار لاحقاً بسبب مقاومة الجهات التنظيمية حول العالم. أما في 2023، أطلقت شركة “باي بال هولدينغز” (PayPal Holdings) عملة مستقرة، لتصبح بذلك أول شركة مالية كبرى تُقدم على هذه الخطوة.
كما ظهرت رموز رقمية يمكن أن تؤدي وظيفة العملات المستقرة وتُستخدم كضمان في التداول، مثل صناديق السوق المالية المربوطة برموز مشفرة. أنشأت شركات إدارة أصول مثل “بلاك روك” و”فرانكلين تمبلتون” (Franklin Templeton ) مثل هذه المنتجات في السنوات الأخيرة.
يشارك الرئيس الأميركي دونالد ترمب أيضاً في مجال العملات المستقرة، بعدما وصف نفسه بـ”الرئيس المؤيد للعملات المشفرة” خلال حملته الانتخابية