بقلم الدكتور نبال موسى
عدت الى لبنان في بداية صيف العام 1974 بعد نيلي شهادة الدكتوراه، وتم تعييني أستاذا متفرغا في كليتي التربية والآداب في الجامعة اللبنانية. وكانت صديقتي الطبيبة الفرنسية التي اصبحت الآن زوجتي ستلحق بي بعد أشهر، إلا أن الحرب اللبنانية حطمت في ما حطّمت كل مشاريعنا. وشاءت الصدف ان أتقاسم المكتب في كلية التربية مع الصديق الدكتور محمد حماده أستاذ التاريخ الذي كان هو ايضا عائدا من فرنسا وكان قد ارتبط بعلاقة مع التي أصبحت زوجته فيما بعد.
بعد فترة قصيرة أردنا الاتصال بمن نحب وليس في لبنان في ذلك الوقت لا انترنت ولا واتسأب ولا سكايب، والخطوط الدولية نادرة ومكلفة.
ذات يوم، اخبرني الدكتور محمد ان ابن عمته سمير يشرف على قصر الملياردير في ذلك الوقت عدنان الخاشقجي في منطقة اليرزة في ضواحي بيروت، وهو يمكنه أن يوفّر لنا الاتصال بمن نحب عبر الخط الدولي الخاص بالخاشقجي. سررنا كثيراً وذهبنا في الوقت المحدد واتصلنا وارتاح قلبانا. لكن القصة ليست هنا.
حكى لنا سمير حكايات عجيبة غريبة عن علاقات الخاشقجي بالصحافيين اللبنانيين وببعض رجال السياسة في لبنان. أسماء لا حصر لها كانت تركع أمام عرش المال، وأسماء لا حصر لها تستجدي وتستعطف، منها من يحصل ويشكر، ومنها من لا يحصل فيشتم ويهين ويختلق الاكاذيب من دون حجة ولا برهان. أما كيف كان سمير يعرف بكل هذا وذاك، فلأن الخاشقجي كان يسجل كل شيء بالصوت والصورة، وكان سمير هو الذي يدير الآلات السرية المخبأة في الكنبات ووراء الستائر.
من هذه القصص التي ما زالت في ذاكرتي أن أحد “كبار” الصحافيين اللبنانيين الذي احتل لعقود طويلة منصبا رفيعا ومعروفا والذي كان يملك صحيفة يومية، كان يتلقى من حين لآخر، وبناء على طلبه، بعض المساعدات المالية من الخاشقجي، إلى أن جاء يوم طلب فيه مبلغا كبيرا رفض الخاشقجي دفعه، فأخذ “الصحفي” المشار إليه يختلق الأخبار الكاذبة حول رجل الأعمال وينشرها بشكل يومي في جريدته. فدعاه الخاشقجي يوما إلى زيارته في اليرزة، فذهب. قال له الخاشقجي: سأعطيك 250 ألف دولار ( كان مبلغا كبيرا في ذلك الوقت)، ولا يزال! وسبق أن أعطيتك كثيراً، فلماذا تستمر في مهاجمتي واختلاق الأكاذيب حولي؟ فراح «الصحفي” الشحاذ يعتذر ويقول إنها “غلطة”، وانه لن يكررها، وانه كان واقعا في أزمة مالية ونفسية…الى ما هنالك من أعذار واهية، ثم قام واخذ يد الخاشقجي وراح يقبلها…
فقال له عدنان من جديد: وسأعطيك ايضا 250 الفاً أخرى كي تشتم وتهاجم فلان ( شخصية سياسية قوية) فوافق ” الصحفي” قائلا: “حاضر، سأنشر عرضه وأحطمه”.
وهنا نادى عدنان خاشقجي: يا سمير، هات دفتر الشيكات. فأخذ “الصحفي” الدجال يرتعش إذ سيحصل بعد لحظات على 500 ألف دولار. فدخل سمير الى الصالون حاملا آلة التسجيل ثم أدارها. وما أن بدأ صاحب الجريدة بسماع التسجيل حتى كاد أن يغمى عليه خصوصاً بعد أن قال له الخاشقجي انه سينسخ من الشريط مئات النسخ ويوزعها على جميع وسائل الاعلام وسيرسلها للسياسي الذي تعهد بشتمه ونشر عرضه وتحطيمه…فجن جنون “الصحفي” المذكور وقام من جديد يقبل يد الخاشقجي ويرجوه عدم نشر الشريط متعهدا عدم نشر اي شيء ضده لا بل العكس تماما، ثم قام واختفى.
ومنذ ذلك اليوم لم ينشر كلمة واحدة ضد عدنان خاشقجي بل انقلبت الآية فأصبح يشيد به، فاعتقد الجميع أنه قبض لقاء توقف الهجوم ونشر المديح، لكن الحقيقة أنه انطبق عليه المثل اللبناني الذي يقول: “اللي دري دري، واللي ما دري قال كف عدس”.