نظّم المعهد العالي للعلوم السياسية والإدارية – كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة الروح القدس- الكسليك محاضرة بعنوان “اليونيفيل: 40 سنة في جنوب لبنان، دروس وآفاق المستقبل”، بحضور عدد من الضباط في الجيش اللبناني، مدير المعهد المنظّم السفير ناصيف حتّي، إضافة إلى عدد من الأساتذة والطلاب.
بدوي
بعد النشيد الوطني اللبناني، أدار المحاضرة الدكتور نيكولا بدوي الذي نوّه “بهذا اللقاء الذي يأتي، بعد عقود أربعة على إنشاء اليونيفيل، لإلقاء الضوء على هذه التجربة الرائدة والغنية في حفظ السلام والصعوبات والتحديات التي واجهتها”.
سليمان
ثم كانت مداخلة للمسؤول في قسم الشؤون المدنية في اليونيفيل سلطان سليمان الذي قدّم تعريفاً عن اليونيفيل، فهي “قوة عسكرية تابعة للأمم المتحدة، أنشئت في 19 آذار 1978 بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 425، إثر التقدم الإسرائيلي باتجاه الحدود اللبنانية بذريعة عملية فدائية حصلت في فلسطين المحتلة. وعندها كانت المرة الأولى التي تنتشر فيها قوات دولية في جنوب لبنان بهذا العدد حيث كانت تضم حوالى خمسة أو ستة آلاف جندي. وكان الهدف من انتشارها أولاً، الإشراف على تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي الفوري وغير المشروط من كامل الأراضي اللبنانية، ثانياً، مساعدة الدولة اللبنانية على بسط سلطتها في مناطق الانسحاب. وللأسف، لم يتحقق ذلك إلى بعد مرور 22 عاماً أي في العام 2000، وتخلل تلك الفترة حروباً وعمليات عسكرية سقط فيها أكثر من 300 ضحية من قوات اليونيفيل نتيجة مواجهات عسكرية مع القوات الاسرائيلية في جنوب لبنان أو حوادث متفرقة”.
وتابع بالقول: “لم تكتفِ إسرائيل بعدم تنفيذ القرار 425، إنّما عادت واجتاحت جنوب لبنان وصولاً إلى بيروت في حزيران 1982. وعندها، صدر القرار الدولي 508 و509 الذي أكد على مضمون القرارين الدوليين 425 و426. ولكن، مرة أخرى، لم يتحقق ذلك. وفي العام 2000، أنجز الانسحاب الإسرائيلي، بصورة مفاجئة، الذي حصل تحت مظلة المقاومة المسلحة في جنوب لبنان من دون أي إخبار مسبق ولا أي اتفاق مسبق لا مع القوات الدولية ولا مع السلطات اللبنانية. هذا بالإضافة إلى العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان في العام 2006 والذي استمر لمدة 33 يوماً”.
ثم أوضح أن الخط الأزرق “هو يحدد خط الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، وهو يفصل بين الكيان المحتل لفلسطين وجنوب لبنان، ولا يرسم الحدود. هو خط بري يمتد على طول الأراضي اللبنانية من الناقورة ساحلا الى شبعا جبلا وطوله حوالى 85 كلم٢. ويُمنع على الجانبين خرقه. ولا يوجد خط أزرق في المياه الإقليمية ولا جواً، ولكن الحدود البحرية محط نقاش في الأمم المتحدة بين السلطات اللبنانية والدول الفاعلة في مجلس الأمن. وفي هذا السياق، طلب لبنان أكثر من مرة أن تمتد صلاحيات اليونيفيل إلى البحر، ولكن حتى الآن لم يصدر أي قرار بهذا الخصوص. من هنا، الخلاف حول المكعبات النفطية لا يزال قائما”.
وأردف قائلاً: “أما في البر، فتقوم اليونيفيل بدوريات مراقبة يومية نحو 480 دورية في اليوم على طول الخط الأزرق وفي منطقة عمليات اليونيفيل، التي تبلغ مساحتها 1600 كلم٢، وهي تمتد من نهر الليطاني شمالا الى الخط الأزرق جنوبا. وبعد العام 2006، تم التأكيد على دور اليونيفيل وتعزيز قواتها بموجب القرار 1701. وحالياً، تضم قوات اليونيفيل 11000 جندياً، كما ينشر الجيش 11000 جندياً ولم يستطع أن يزيد هذا العدد بسبب المهمات الكبيرة الملقاة على عاتقه في مختلف المناطق اللبنانية. وتقوم اليونيفيل بدوريات برية وجوية وبحرية بمشاركة الجيش اللبناني. ويجب أن ننوه بأن اليونيفيل هي أول مهمة عسكرية للأمم المتحدة التي يكون لها قوة بحرية. إذ تقوم بدوريات على طول الشاطئ اللبناني، من الناقورة الى العريضة ومهمتها أن تتأكد من عدم دخول أي سلاح غير شرعي الى الأراضي اللبنانية. وقد نص القرار 1701 على أن تتأكد اليونيفيل من الانسحاب الإسرائيلي الكامل وغير المشروط من المناطق التي دخلتها إسرائيل خلال حرب 2006. ولكن هناك خرق بري دائم للقرار 1701 يتمثل باستمرار إسرائيل باحتلال بلدة الغجر، وكفرشوبا ومزارع شبعا، ناهيك عن خروقات جوية وبحرية شبه يومية”.
وختم بالقول: “لا يقوم عمل اليونيفيل على منع الخروقات وإنما مهمتها أن تراقب وتكتب التقارير وترفعها إلى الأمم المتحدة. وتبرز أهمية اليونيفيل بكونها شاهد دولي يوثق حقنا بأرضنا وبسيادتنا على هذه الأرض بصورة يومية مؤكداً حصول خروقات للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً. كما تتمتع اليونيفيل بمهمة مدنية إضافة إلى مهمتها العسكرية، عبر قسم الشؤون المدنية وقسم التعاون المدني العسكري لمساعدة الدولة اللبنانية على بسط سلطتها ونفوذها من خلال مجموعة من المشاريع التي تُعنى بالبنى التحتية وغيرها… مرّ 40 عاماً على وجود اليونيفيل في لبنان، وهي من المهمات الأقدم للأمم المتحدة في العالم. ونتمنى، كما يشير اسمها أن تصبح مؤقتة، وأن يصبح الجيش اللبناني قادرا أن يلعب الدور المنوط به في حماية الأرض والسيادة من دون حاجة إلى قوات طوارئ دولية”.
الصيّاح
ثم تحدث العميد الركن المتقاعد الدكتور رؤوف الصيّاح مقدماً لمحة تاريخية عن تطّور مهام حفظ السلام منذ العام 1859 وحتى اليوم. وقد أشار إلى أنّ “أكاديمية السلام العالمية قد عرَّفت مهمّة حفظ السّلام بـ:”الوقاية، احتواء، اعتدال، وإنهاء القتال بين، أو داخل الدولة بوساطة تدخّل طرف ثالث، منظّمة، وموجهة دوليًّا، باستعمال جيوش متعدّدة الجنسيّات، الشّرطة، والموظّفين المدنييّن لاستعادة، الحفاظ على السلام”. ثم شدد على “أهمية تطبيق مهمة حفظ السلام، إذ أنّ الرصاصة الأولى التي تُطلقها قوات حفظ السلام تدفع فورًا بالمهمة إلى الفشل وتصبح جزءاً من الأزمة، وأي تعديل في التمركز أو المهمّة يؤدي إلى حرب. ويجب على أطراف أي نزاع، من شأن استمراره، أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حلّه بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة، والتحقيق، والوساطة، والتوفيق، والتحكيم، والتسوية القضائيّة، أو أن يلجؤوا إلى الوكالات، والتنظيمات الإقليميّة، أو غيرها من الوسائل السلميّة التي يقع عليها اختيارها. تقوم مهمة حفظ السلام على الفصل بين المتحاربين، الإشراف على وقف إطلاق النار، دعوة أطراف الصراع إلى طاولة المفاوضات حتى توقيع اتفاق سلام على أن تنسحب بعدها قوات حفظ السلام”.
ثم استعرض أبرز ما نص عليه القرار 425: أن تحترم بدقّة وحدة الأراضي اللبنانيّة وكذلك سيادة واستقلال لبنان السياسي داخل حدوده المعترف بها دوليًّا؛ أن توقف إسرائيل عملها العسكري ضد وحدة الأرض اللبنانيّة، وأن تسحب قوّاتها دون إمهال من كامل الأراضي اللبنانيّة؛ أن تنشأ فورًا، قوّة دوليّة موّقتّة لجنوب لبنان، بناء على طلب الحكومة اللبنانيّة، من أجل تأكيد انسحاب القوّات الاسرائيليّة، وإعادة السّلام والأمن الدوليّين؛ مساعدة الحكومة اللبنانيّة على تأمين عودة سلطتها الفعليّة إلى المنطقة، على أن تكون هذه القوّة مؤلفة من عناصر تقدّمها الدّول الأعضاء في منظّمة الأمم المتّحدة. إلا أنّ تنفيذ هذا القرار واجه صعوبات عدة من الناحية السياسية لجهة تأمين شرعيّة دوليّة لحضور قوّة عسكريّة وتأمين الغطاء الدوّلي لحماية الجنوب اللبناني، ومن الناحية العسكرية لجهة محاور وصول القوّة والتمركز وصعوبة الانتشار”.
كما اعتبر أنّ “القبّعات الزّرق في جنوب لبنان أظهرت عن أنيابها مرّة واحدة، وخاض جنودها معركة عسكريّة
مع عناصر فلسطينية مسلحة للدفاع عن مهمة حفظ السلام لأنّهم أرادوا ترحيلهم بغية اقتلاع العين السّاهرة، وذلك في بلدة الطيري في نيسان 1980. واستطاعت اليونيفيل أن تكسب عقل وقلب الشعب اللبناني من خلال التقديمات الطبيّة، التقديمات للبنى التحتيّة، التعليم المهني واللغات، مرافقة المزارعين إلى الحقول تحت علم الأمم المتّحدة لحمايتهم وملاحقة الرعاة إلى الأحراج لمعالجة المواشي…”
وشدد على “أهمية الوجود الأممي في الجنوب لجهة حفظ الأمن وتأثيره على الأمن القومي اللبناني، المساهمة في عودة مؤسسات الدولة إلى الجنوب (أمن داخلي، موظفين اداريين، القضاء، الجيش اللبناني، خدمات إنسانيّة)، التأثير على الدورة الاقتصادية، إنعاش القرى، منع تحويلها إلى قرى منسيّة، المشاركة في نزع الألغام، حماية المياه الإقليميّة، تنظيم العلاقة قبل العام 1982 مع المسلحين الذين يتمتعون باتفاق القاهرة 1969. وإنّ الجيوش خارج أرضها، يهلّل لرحيلها، إنما القبّعات الزّرق أصبحوا ضرورة لبنانيّة للحفاظ على السّلام. وفي كل مرّة تشارف ولايتهم على نهايَتِها يُسارع الأهالي والمسؤولون الرسميّون إلى الأمم المتحدة مطالبين بتمديد مهمّة القبّعات الزّرق”.
وختم بسلسلة من التوصيات، أولاً على الصعيد الأكاديمي من خلال: إنشاء كليّة أو اختصاص حفظ سلام تتولى إعداد اخصائيّين في إدارة المفاوضات وعقد الاتفاقيات والدراسات الخاصة بالسّلام، والمعاهدات لأن موضوع سيادي، حيث لا ينفع الند؛ وإدراج مادة القانون الدوّلي الإنساني في الكليّات صاحبة الاختصاص”.
حتّي
وكانت المداخلة الأخيرة لمدير المعهد العالي للعلوم السياسية والإدارية السفير ناصيف حتّي الذي اعتبر أنّ “كل عملية حفظ السلام تخضع، بشكل مباشر أو غير مباشر، لتوازن القوى في البيئة الإقليمية النزاعية المباشرة في هذا المجال. وهناك التباس، مقصود أو غير مقصود، عند الكثيرين بين حفظ السلام وصنع السلام. إذ أنّ مهمات حفظ السلام لا تصنع السلام. ويساهم حفظ السلام في بناء الاستقرار وفي تعزيز السلم المجتمعي في مجالات متنوعة مثل الخدمات الصحية والإنمائية. ويكون حفظ السلام في ظل غياب القتال والحرب لتثبيت الهدنة. إذاً، حفظ السلام ليس صنع السلام، لكنه تعزيز السلام بمعنى غياب الأعمال العسكرية إلى أن يتحقّق السلام بالمفهوم القانوني والسياسي والدبلوماسي”.
ثم تطرّق إلى المراحل المختلفة التي مرّت بها اليونيفيل منذ إنشائها وذلك حسب طبيعة الإطار النزاعي القائم والعناصر الرئيسية المتحكمة فيه. تتعلق المرحلة الأولى بوجود الثورة الفلسطينية في جنوب لبنان بين 1978 و1982. وكانت المتغير السياسي الاستراتيجي في لعبة القوة وعنصراً أساسياً يجب أخذه دائما في الاعتبار في ما يجري هنا وهناك وراء الكواليس في ما يتعلق بمهمة الحفاظ على دور اليونيفيل. أما المرحلة الثانية فهي الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان بين عاميْ 1982 و1996 بعد مجزرة قانا والتوصل الى تفاهم نيسان الذي غيّر قواعد اللعبة لمصلحة الطرف اللبناني وحجّم الدور الإسرائيلي والاحتلالي في جنوب لبنان وأضعف قوته الردعية وبدأ العد العكسي لخروج إسرائيل من لبنان. في تلك الفترة أصبح هناك مقاومة لبنانية على الأرض واختلفت المعطيات وتوازنات القوى التي أخذت تحكم الوضع السياسي العام. وامتدت المرحلة الثالثة من 1996 إلى 2000 حين انسحبت إسرائيل من لبنان. أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في ظل تغيّر قواعد الاشتباك وقواعد اللعبة وتغير البيئة النزاعية السياسية التي تعمل ضمنها عليها قوات اليونيفيل، وصولاً إلى حرب 2006 وصدور القرار 1701. ونصل إلى المرحلة الأخيرة أي مرحلة ما بعد 2006 والتي ما زلنا نعيش فيها”.
وأشار إلى “وجود مصلحة لدى الجميع بعدم تفجير الوضع في جنوب لبنان. وإنّ توازن الردع والمخاوف والمصالح تحافظ على هذا الوضع الذي تكرسه الأمم المتحدة من خلال اليونيفيل على الأرض. وأنا أعتقد أن تجربة اليونيفيل تبقى أغنى تجربة في قوات حفظ السلام في العالم لأن لبنان موجود في محيط مشتعل. ولطالما كان لبنان المختبر وأرض الصراع والحوار الصراعي لكافة أطراف المنطقة، وكان على قوات اليونيفيل أن تعمل كساعي بريد لتوجيه رسائل في كافة الاتجاهات لتحافظ على الحد الأدنى الممكن من الاستقرار”.
وختم اللقاء بحلقة نقاش بين المحاضرين والحضور.