أكتب جاهزا للخروج من جمود لبنان وانحلاله الكامل والشامل في السياسة والإدارة والديمقراطية والدساتير والقوانين والمذهبيات والسرقات ودفن اللبنانيين في فقرهم ودفعهم نحو بلاد المهاجر /الإغتراب التي أصبحت كلها اليوم بلاد الإقتراب ولو انها في قاع الجحيم.
اللبنانيون كلهم وخصوصا المسيحيون لا السنة ولربما الشيعة والدروز والبقايا يبحثون اليوم وسيبحثون غدا عن دستور جديد وطبقة حكم جديدة ووطن جديد وقطعا هم لا يبحثون عن حروبٍ أهلية جديدة وقد صاروا في الجوع والعراء البشري.
يبحثون عن جمهوريتهم وقد صارت بلا جمهور وبلا دستور وبلا ماض او حاضر او مستقبل.
يبحثون عن ” لبنانهم” المستحيل بين مئات الأحزاب والتكتّلات بما لا يمكن أن يجمع الأكثرية اللبنانية البلهاء خارج أمراض العددية والطائفية والمذهبية والخطب الفارغة والتصريحات الناشزة والكلام اليومي المعلوك لقادة نتنت معانيه وروائحه في الداخل والمحيط والعالم.
١- سؤال: …هل يمكن لبلدٍ يدعي الديمقراطية في القرن ٢٢ الحكم بلا دستور؟
مستحيل، لكنّه حاصل في لبنان منذ ما قبل ميلاده وقبل الميلاد وعلى وعينا منذ 1989، حيث بدا دستور جمهوريّة الطائف فاقداً لتفاهم مرجعياته أو تطبيق نصوصه بوصفه “الكتاب الوطني” الذي، كما قالوا ويقال، أنقذ اللبنانيين من جروحهم المستمرّة الطريّة التي تنز في النفوس وعلى مفارق الطرقات.
المعضلة الكبرى للجمهوريّة أنّها منذ ثلاثة وثلاثين سنة ( عمر المسيح المخلص) مفروضة ومسكونة بخليط مذهبي مريض من برلمانيين عاجزين تقليديين خرجوا من الحكم إلى الحرب أو إلى الخارج وإختلطوا مع مقاتلي ميليشيات أقوياء خرجوا من الحرب إلى أنقاض الحكم، وعادوا إلى إعادة بناء الجمهوريات الطائفية في نزاعات وفراغات ومراهنات لنرسو جميعاً على أبواب إستحقاق مستورد هو “الخصخصة الوطنية Nationale Privatisation الشاملة التي تخرج لبنان من القطاع الرسمي ليتحوّل الى “قطع غيار مجنزرة مفكّكة معروضة للبيع” كما كان يكرّر الجنرال ميشال عون من قصر الشعب في بعبدا قبل ان يتركه مقصوفا بالطيران السوري الأميركي العربي ليغيب الرجل ١٥ سنة منفيا الى فرنسا بعدما ساواه الرئيس فرانسوا ميتران بشرف الدولة الفرنسية وانقذه بطائرة ليصل باريس ناجيا من صاروخ اطلقه من البحر على الطائرة رئيس حزب لبناني معروف آنذاك.
عاد ميشال عون زعيما الى لبنان ليتصالح مع الطائف ومع السوري ليحكم ولم .
كان خطأه الأول ولربما الوحيد ترشحه للإنتخابات البرلمانية ليصبح نائبا في البرلمان. ورجوته يوما في الرابية مقر اقامته المستعار ألا يعمل نائبا بل يبقى زعيما يختار ممثلينه في البرلمان مستشهدا بوليد جنبلاط وسمير جعجع والسيد حسن نصرالله، لكنه قال أن التغيير لا ينجح ولا يصلح إلا من الداخل.
وصل القصر رئيسا منتخبا للجمهورية وكان ينتظره “الجهاد الأكبر” الذي اعلنه الرئيس نبيه بري، بعد أن حاول أن يصحح له قسمه بسبابته امامه تحت عين الدنيا. وهنا لست ادري ان كانوا يدركون معاني الجهاد الأكبر.
وهنا احلف بدوري بالصدق السماوي ان تجربة ميشال عون في المنفى حافلة بالأسرار والأنشطة المنتظر ان تنشر .كانت أكثر من قاسية قبل انتخابه، ولو ان أيا من السياسيين والزعماء الذين وقفوا سدودا هائلة في وجهه حصل معهم كما ما حصل معه خلال تلك العقود المرة وخصوصا خلال سنوات حكمه الست في بعبدا، لكانوا فعلوا ما فعله هو مضروبا بعشر أو بمئة، ولربما كان خربوا لبنان ودمروه ودمروا حتى الدنيا رفعا للظلم ليتركونها لنا خربة ما دونها خرائب.
2- عن أيّ جمهورية أكتب اليوم؟
عن الجمهورية الرابعة التي ننتظر رئيسها “المفدى”؟
لماذا الرابعة؟؟؟؟؟؟
رأى العميد ريمون إدّه رئيس حزب “الكتلة الوطنية” رحمات الله عليه، (كنت زائره اليومي في باريس لأربع سنوات كي لا أقول انني كنت مستشاره وملازمه كل يوم أحد في فندق البرانس دو غال مكان اقامته حيث كان يفتح صالونه لكل السياسيين المتوافدين الى هناك وشاغلهم الوحيد التخلص من سوريا ) أن هذه جمهورية الطائف هي رقم 3، لأنّ الأولى تأسست في 23 أيار 1926 ونصّ دستورها على النظام الديمقراطي البرلماني. وتأسّست الثانية عند تعديل الدستور في 9 تشرين الثاني 1943 بسقوط صلاحيات المفوض السامي الفرنسي، وكانت الجمهورية الثالثة من وثيقة الطائف التي عدّلت الدستور وأقرّه مجلس النواب معدّلاً في 21 آب 1990. ولأنّه إتّفاق كان ممزقاً بين الرافضين له وهم كثر تزعمهم الجنرال ميشال عون، وبين الذين أقرّوه وهم من غير المتحمسين له ، وهم النواب المشاركون في لقاءات الطائف، وكذلك أو مثلهم القوات اللبنانية آنذاك، الذين اعتبروا اتفاق الطائف “نتيجة لموازين القوى، يتضمن حسنات وسيئات مثله مثل كل الاتفاقات” ولهذا لم يقبلوا المشاركة في الحكم على أساسه، أو لم يدخل رئيسهم سمير جعجع حكومته الأولى معتبراً “أن المشاركة في الحكم تصح حتى من موقع المعارضة، ذلك هو عنوان الديمقراطية، وبكل بساطة الحل ليس في هذه الحكومة”.
ولأنّ روحية الطائف تعبر عن روحية تغييريّة جديدة جاءت في أعقاب تغيير ناتج عن الحروب، فإنّها روحيّة كان لا يُعقل أن يمارسها قدامى السياسيين التقليديين أو أبناؤهم وأحفادهم بالوراثة في الوزارات والبرلمانات ولو أنّهم شاركوا شكلا في وضع نصوصها أو صدّقوا عليها.
هكذا إستمرّت وستستمرّ إشكاليات الدساتير في لبنان لدى عائلاته وأهله وممارساتهم. وسيمرّ وقت طويل قبل أن ندرك أن طبقةً سياسيّة كاملة وجيلاً أصابه الصدأ من ممارسات العائلات السياسيّة التقليديّة بكل مواصفاتها هي في طريق الى السقوط تدريجاً وبكل الأساليب لصالح لبنان جديد مستقبلي مستقلّ لم تظهر ولن تتّضح معالمه النهائيّة بعد بانتظار الثورة الحقيقية لا بريقها وحراكها الغابر، وهذا ما لم ولن يحصل قبل وقتٍ طويل وعناء كبير وعقول علمانية ووطنية نظيفة منفتحة على الحضارات والانسانية والتجديد والتحديث لا على يقظة الأديان التي تشوهت في لبنان
تنظيرا وممارسات طائفية مقرفة.
3- ولأنّ الظروف ساقتني ووضعتني بين أهل الطائف الرافضين والقابلين له، وحيث أنّ أشدّ البرلمانيين الذين كانوا وزراء إعلام الدفاع عن الطائف مثلا، كانوا من المسيحيين عن قصد، وبالتحديد هم إدمون رزق وبطرس حرب وألبير منصور بالرغم من أنّ الأخير نشر كتابه” الإنقلاب على الطائف” قافزا بجرأته ، وبالرغم من مئة سبب وسبب عندي وبحوزتي تنتظر النشر، أول بقيت الجمهورية وستبقى بدستورها الجديد/ القديم أو الذي صار قديما مرذولا وخاضعا لوجهات نظر كثيرة وإنصياعات مصلحية وإزدواجيات فرضها وسيفرضها الخارج كل خارج مقبل أو موجود في الساحة اللبنانية. اقول الخارج لأن لبنان لا داخل فيه بل الف داخل وداخل وكلكم لا تعرفون عدد الأبواب التي ندخل منها الى الساحات.
عضو الهيئة العليا للإشراف على الإنتخابات
كاتب واستاذ في المعهد العالي للدكتوراه