صدر عن نائب رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الاعمال الدكتور سعادة الشامي، بيان جاء فيه:
“قبل الدخول في تفاصيل مشروع قانون الكابيتول كونترول ومدى الحاجة إليه، من المفيد أن نحدد الأهداف الأساسية والصفات العامة التي تتسم بها القوانين التي ترمي إلى وضع قيود استثنائية على حركة رؤوس الأموال.
بشكل موجز، فإن هذه الأهداف تتمثل بالحفاظ على الاحتياطيات بالعملات الأجنبية و / أو سيولة القطاع المصرفي، ومنع المزيد من انخفاض سعر الصرف، والمساعدة في تخفيض العجز في ميزان المدفوعات. ولتحقيق هذه الأهداف، من المفضل أن يأتي القانون شاملا ومتشددا في البداية لبناء الثقة مما يسهل من تخفيف تلك القيود في المدى القصير، وهذا أفضل بكثير من اللجوء إلى وضع قيود وضوابط بشكل غير منظم وعندما تدعو الحاجة.
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري ألا يكبل القانون بأرقام محددة بالنسبة للتحاويل والسحوبات وذلك لأن الظروف الاقتصادية والمصرفية قد تتغير بسرعة مما يستدعي تعديل القانون بشكل مستمر، وهذا أمر غير مستحب ولا يتم عادة بالسرعة المطلوبة. لذا يجب أن يتضمن القانون جميع القيود الرئيسية ويسمح فقط للجهات المختصة والتي هي على دراية وثيقة بهذه المواضيع بوضع القيود وتخفيفها. وفي الوقت ذاته، فإنه من المهم مراعاة تكاليف القيود الموضوعة وفوائدها مسبقا، والتأكد من أن وجودها لن يكون أكثر عبئا على الاقتصاد من عدم وجودها.
بالعودة إلى لبنان ومشروع قانون ضوابط على التحاويل المصرفية، فإن هناك شبه إجماع بين مختلف الأفرقاء اللبنانيين على أنه كان ينبغي اعتماد قانون الكابيتول كونترول بعد فترة وجيزة من اندلاع الأزمة في تشرين الأول / أكتوبر 2019. لقد مر ما يقارب الثلاث سنوات ولم يقر بعد هكذا قانون. وهنا يطرح الكثيرون السؤال التالي: هل ما زلنا بحاجة لهذا القانون؟ الجواب نعم ولعدة أسباب.
أولا: في حين أن هناك الآن قيودا غير رسمية وبحكم الأمر الواقع (de facto) على التحاويل والسحوبات، فإن هذه القيود تأتي في معظمها بشكل استنسابي وهي غير منظمة من خلال أحكام قانونية. يمكن للبنوك اعتماد معاملة مختلفة بين المودع والآخر، وهناك انطباع بأنه فيما استطاع العديد من الأشخاص والمؤسسات المؤثرة تحويل أموالهم إلى الخارج بطريقة ما بعد تشرين 2019، مما زاد من حدة الأزمة، تعذر ذلك على آخرين.
إن وجود قانون ساري المفعول يحكم التحاويل والسحوبات والعلاقة بين المصرف والمودع سيجعل العملية أكثر انتظاما وشفافية.
ثانيا: هناك حاجة إلى قانون الكابيتال كونترول من أجل حماية ما تبقى من الاحتياطيات بالعملة الأجنبية ولتحسين وضع ميزان المدفوعات الذي عانى وما يزال يعاني، ولو بوتيرة أخف، من عجوزات كبيرة. إن وجود قيود على التحاويل سيخفض الاستيراد وبالتالي سيقل الضغط على سعر الصرف وخاصة إذا ترافق ذلك مع سياسات مكملة ومن ضمنها سياسات مالية ونقدية مناسبة وسعر صرف موحد ومتحرك يعكس حالة السوق.
ثالثا: يأخذ البعض على مشروع قانون الكابيتال كونترول المقدم من الحكومة أنه يعطي الكثير من الصلاحيات للجنة التي ستقرر مقدار ما يمكن نقله أو سحبه من القطاع المصرفي. إن الحاجة إلى مثل هذه اللجنة تبررها حقيقة أن القانون نفسه يجب أن يتجنب وجود أرقام محددة بشأن المبلغ الذي سيتم سحبه أو تحويله كما هو مذكور أعلاه. هذه عملية ديناميكية تتطور بصورة دائمة وستستمر المبالغ في التغيير مع التغيرات في الظروف الاقتصادية والمالية الأساسية وبالتالي ليست هناك حاجة للعودة وتغيير القانون بشكل متكرر.
أضاف: إن مشروع القانون المقدم من الحكومة يتماشى مع المعايير الدولية ويشمل الأسس التي اعتمدت في الكثير من البلدان التي فرضت قيودا على التحاويل المصرفية. والنقاش الدائر حول هذا المشروع هو نقاش مفيد وذلك للأخذ في الاعتبار ملاحظات مختلف القطاعات والنقابات والاختصاصيين في هذا المجال. بالطبع يجب على مشروع القانون هذا أن ينسجم مع القوانين الأخرى المرعية الإجراء وأن يراعي خصوصيات البلد ولكن دون التعرض للأهداف الأساسية التي من أجلها اقترح هذا القانون.
إن إقرار هذا القانون يحصن ويكمل السياسات المالية والنقدية التي يجب اعتمادها للخروج من الأزمة الحالية.
في الأخير نتمنى أن يقر القانون في أقرب وقت ممكن خصوصا انه من الإجراءات المطلوبة للوصول الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي. وكلما أسرعنا في تطبيق هذا القانون، كلما أسرعنا في رفع القيود والضوابط الاستثنائية وخاصة إذا ترافق ذلك مع حزمة الإصلاحات الأخرى التي من شأنها أن تضع لبنان على سكة التعافي”.