ما بعد مسرحية ورشة المنامة….
أميركا وإسرائيل لا تريدان سلاما مشرّفا فماذا أعددنا ؟
بقلم: فيصل أبو خضرا
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
بعد أن انتهت زوبعة ورشة المنامة إلى ما انتهت إليه من فشل ذريع سواء في مستوى المشاركين أو الغياب الواسع أو المضمون الباهت والغامض المنفصل عن الواقع، وبعد أن أكد العرب عموما، حتى الذين ارسلوا مندوبين للمشاركة، أنه بدون حل سياسي للقضية الفلسطينية على أساس مقررات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل أراضي العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تبقى أية مقترحات أو مشاريع اقتصادية حبرا على ورق، وهو ما اضطر جاريد كوشنر، مايسترو الورشة، الى الإعلان أن تنفيذ الجانب الاقتصادي مرهون بالحل السياسي، وبعد أن جاء هذا الموقف العربي داعما للمواقف الثابتة للقيادة الفلسطينية وعلى رأسها الأخ الرئيس محمود عباس ولهذا الإجماع الوطني الفلسطيني في الوطن والشتات حول موقف القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني برفض ورشة المنامة وصفقة العار التي تعدها الإدارة الأميركية، بعد كل هذا فإن السؤال المطروح الآن هو: ماذا بعد ورشة المنامة؟ وكيف لنا أن نستثمر هذا الإجماع الفلسطيني العربي على محورية القضية والحل السياسي لها بموجب قرارات الشرعية الدولية، من أجل المضي قدما في نضالنا العادل وفي الاحباط النهائي لصفقة القرن وأية مخرجات هزيلة لورشة المنامة كتطبيع البعض مع دولة الاحتلال قبل الحل السياسي وتحقيق السلام، وهو ما تفاخر به نتنياهو وأركان حكومته؟
لقد قالها الأخ الرئيس محمود عباس، وبالفم المليان، بعدة مناسبات سياسة أو غير سياسية ، وفي أي دولة يزورها، سواء الدول العربية وفي القمم العربية والإسلامية والإفريقية، أو العواصم الأجنبية والمحافل الدولية وفي مقابلاته مع زعماء العالم، بأن فلسطين لا تباع بمال الدنيا ولا تقايض بمشاريع توهم الفلسطينيين بالعيش الرغيد ولا مقابل صفقات اقتصادية من أي جهة كانت، وقد التف شعبنا وفصائله حول موقف القيادة هذا.
ومن البديهيات التي تجاهلتها إدارة ترامب ومبعوثوه كوشنر وغرينبلات وسفيره فريدمان، الداعمين للصهيونية أن الاقتصاد يأتي بعد الانتهاء من الشق السياسي في أي صراع و ذلك يفسر احد أسباب المقاطعة الفلسطينية لورشة المنامة عدا عن المواقف العدائية تجاه شعبنا التي اتخذتها هذه الإدارة الأميركية المنحازة بالمطلق للاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي.
ولهذا كان من المستهجن أن يأتينا كوشنر، الصهيوني الاشكنازي، بمشاريع اقتصادية، اعتقاداً منه بأن مشكلة الاحتلال الصهيوني لأرضنا وحرمان شعبنا من حقه المشروع في الحرية والاستقلال هي مشكلة مالية او اقتصادية، وان من الممكن شطب الحقوق الوطنية الفلسطينية مقابل المال أو أن شعبنا قد ينسى احتلال العصابات الاشكنازية لأرضه وتشريده من بيوته وسلب ممتلكاته مقابل هذا المال. وهو بهذا التفكير السخيف يذكرنا بمزاعم شمعون بيريس، بان الفلسطينيين باعوا أراضيهم، ويحاول إضفاء مصداقية عليها، متناسيا بان هذا الشعب الجبار الذي قدم عشرات الآف الشهداء والجرحى والأسرى، لن ينسى وطنه وتاريخه وذاكرته، ولن ينسى المجازر المائة وخمسين التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في فلسطين وخارجها ضد شعبنا، كما لن ينسى الفظائع التي لا زالت إسرائيل ومستعمروها يرتكبونها في الأراضي المحتلة بما في ذلك إحراق فلسطينيين أحياء وإعدامات بدم بارد واعتداءات متواصلة على المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم ومزارعهم وحملات الاعتقال والدهم وهدم للمنازل وتقييد حرية الحركة ومصادرات للأراضي وبناء المزيد من المستعمرات عليها وتهويد القدس العربية المحتلة ومساس بالمقدسات الاسلامية والمسيحية وحصار ظالم لقطاع غز ة … الخ من الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي يتجاهلها كوشنر وإدارته.
إن غباء الإدارة الأمريكية ضرب رقما قياسيا بدءا بترامب نفسه مرورا بفريقه المؤلف من كوشنر ومحامي إفلاسات كازينوهات القمار، المتطرف صهيونيا ديفيد فريدمان، وزميله جيسون غرينبلات و بولتون الحليف الأمين للاحتلال الإسرائيلي. هذه الإدارة الظالمة التي تهدي وتوزع أراض العرب للاحتلال وكأنها ملكا لها ، بدون أي احترام للمواثيق وللقرارات الدولية التي وقعت عليها أمريكا سواء قرارات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن.
لقد شاهدت المقابلة التي أجراها مندوب “الجزيرة” مع ديفيد فريدمان، التي لم يكن فيها المندوب على المستوى المطلوب من توجيه الأسئلة وإحراج محاوره بأسئلة حاسمة، ومع ذلك احتوت إجابات فريدمان على ما يكفي من السموم كي نقول بأنه يهودي صهيوني متطرف، خصوصا عندما قال إن الضفة – مستثنيا القدس- يقيم فيها ٤٥٠ الف مستعمر يجب ان يعرفوا مصيرهم ، وكأن على الفلسطينيين التنازل عن أراضيهم وأملاكهم لهؤلاء المستعمرين وكأننا نحن السبب في عذابات اليهود التاريخية في ألمانيا النازية أو في اوروبا عموما ويجب ان ندفع نحن الثمن.
لقد قبل المجلس الوطني الفلسطيني بجميع فصائله التنازل عن ٧٨ بالمائة من فلسطين التاريخية، بموجب اتفاق اوسلو، من اجل حقن الدماء وتحقيق السلام، مقابل قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة منذ عام 1967 وعاصمتها القدس وتحقيق حق اللاجئين في العودة والتعويض بموجب القرار الأممي 194، إلا أن إسرائيل نسفت الاتفاقيات وواصلت نهجها الاستعماري وصولا الى ما يجري اليوم من محاولة هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بالتعاون مع حليفها ترامب وفريقه المتطرف تصفية القضية الفلسطينية وحرمان شعبنا من حقوقه المشروعة.
وعودة الى ورشة المنامة فمنذ اليوم الأول ولدت هذه الورشة ميتة فلم يحضرها زعيم عربي واحد، وهي ورشة بلا روح ولا طعم ، لان الدول التي حضرتها شاركت بها دون قناعة، وكما قلنا في أول المقال بأن الاقتصاد يأتي بعد موافقة الطرفين المختلفين على الحل السياسي.
ومع الأسف ومنذ الشمشون الأول ترومان الذي قسم ارض فلسطين التاريخية حسب ما تريده الصهيونية العالمية للفوز في الانتخابات الاميركية، وتنفيذا لإعلان بلفور للعام ١٩١٧م ، وبدون استشارة أهل البلاد الفلسطينيين طمعا في أموال اللوبي الصهيوني ، بزعامة البليونير روتشيلد الذي أغدق على بريطانيا التي كانت عظمى الأموال في الحرب العالمية الأولى، فإن التاريخ يعيد نفسه اليوم على صورة ترامب الذي يسعى للفوز بولاية ثانية بدعم الصهيونية وأثرياء يهود أميركا حتى لو كان ثمن ذلك الدوس على حقوق الشعوب وعلى القرارات الدولية.
واليوم يأتنا ترامب مدعوما بعصابة يهودية اشكنازية متطرفة كي يحاول تصفية القضية الفلسطينية، بثلاث مراحل ، أولاها جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة لدولة المحتل ، وشطب حق العودة، وإبقاء المستعمرات الاسرائيلية في الضفة الغربية مع ضم مناطق”ج” الى دولة الاحتلال. وكي يرضي المجتمع الدولي يقول إن على الإسرائيليين والفلسطينيين الجلوس لتحديد مستقبل القدس. فأي غباء وتضليل هذا وأية إملاءات يريد ترامب فرضها على الفلسطينيين؟
ولم يكتف الشمشون ترامب بهذا، بل أهدى مرتفعات الجولان لإسرائيل وكأنها ملك له أو لعائلته، فأي سلام هذا الذي يريده سيد البيت الأبيض؟!
لقد اتضحت معالم السياسة الإسرائيلية والأميركية منذ وقت طويل، بعيداً عن الأحلام والوهم ، وجاهل من يعتقد بان أميركا أو المحتل لديهما أي مشروع للسلام ، فهما لن يكتفيا بفلسطين ، بل لهما أطماع باحتلال أراض عربية بعيدة عن فلسطين، وما ضم الجولان الى إسرائيل، إلا دليل واضح على أطماع إسرائيل الجغرافية وسعيها للهيمنة على العالم العربي.
ونذكِّر هنا بما قاله شامير على باب قصر الاليزيه في باريس عندما سأله أحد الصحفيين: ما هي حدود إسرائيل؟ وكان جوابه عفويا، إذ قال: ” حدود إسرائيل حيث يقف آخر جندي “.
كوشنر قال كلاما معسولا عن “مساعدة” الشعب الفلسطيني، خصوصا الشباب والنساء، وان هذه بداية هامة للشعب الفلسطيني، كما انه لا يمكن أن يعم السلام إلا باتفاق سياسي منصف للفلسطينيين والاسرئيليين، ولو كان كوشنر جاداً في حديثه هذا لكان الأجدر به أن يقول بان الحل المنصف وهو العمل على تنفيذ الشرعية الدولية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
الشعب الفلسطيني لديه تجربة تاريخية مريرة مع جميع الإدارات الامريكية ،التي لم تلتزم بما وقعت عليه من اتفاقيات أو قرارت دولية. لذلك فإن كلام كوشنر غير جدير بالثقة.
الشعب الفلسطيني يقولها وبالفم المليان انه يريد أرضه حسب القرارات الدولية وأولها القدس الشريف، العاصمة الأبدية لفلسطين، وعودة اللاجئين الى أراضيهم وبيوتهم ومدنهم وقراهم ،وإطلاق سراح جميع مقاتلي الحرية الأسرى. وبما ان حفلة التقاط الصور او ورشة المنامة لم تذكر هذه الأسس التي بتنفيذها سيعم السلام ، فلا شك بأن العنف سيزداد ولن يعم السلام في العالم مهما كانت قوة اسرائيل العسكرية وجبروت أميركا، والتاريخ شاهد على ان شعبنا لا يمكن إخضاعه بالقوة والجبروت .
وعودة الى سؤالنا: ماذا بعد مسرحية ورشة المنامة؟ لا شك أن شعبنا يريد أن يرى نهاية لهذا الانقسام فورا ، وإن شاء الله أن تسفر النوايا الطيبة التي استمعنا إليها خلال الأيام القليلة الماضية سواء من قيادات فتح أو حماس عن نتائج إيجابية، ونبدأ بخطة وطنية واقعية موحدة لمواجهة كل هذه التحديات ولإنهاء هذا الاحتلال، تحت قيادة الشرعية الفلسطينية وعلى رأسها الأخ الرئيس محمود عباس، فالتحديات جسيمة وهي تستهدف الكل الفلسطيني دون استثناء… والله المستعان