كتب الأمين العام لجمعية مصارف لبنان الدكتور فادي خلف افتتاحية التقرير الشهري للجمعية عن شهر تشرين الثاني 2025 بعنوان «هيكلة المصارف… وماذا عن القطاع العام؟»، وجاء فيها: «لا يختلف اثنان على أنّ إعادة هيكلة القطاع المالي باتت ضرورة لا يمكن تجاوزها. فهي محور أساسي في أيّ مسار إصلاحي جدّي يعيد الانتظام إلى المالية العامة، ويُرمّم الثقة بالنظام المصرفي، ويؤسّس لخروج تدريجي من الاقتصاد النقدي نحو اقتصاد منظَّم وقابل للنموّ. لكن بما أن الأزمة نظامية الطابع، فلا يجوز أن تنحصر الهيكلة بالقطاع المصرفي وحده. وهل يمكن الاستمرار في معالجة نتائج الانهيار دون التصدي لأسبابه البنيوية؟ أليست الفجوة المالية انعكاسًا مباشرًا لعقود من الإنفاق العام غير المستدام، ولسياسات مالية لم تكن قابلة للاستمرار؟ من هنا، تبدو أيّ مقاربة جزئية، تُحمّل القطاع المصرفي العبء الأكبر من الأزمة، بينما تكتفي الدولة، وهي المسؤول الأول عن الانهيار، بمساهمة رمزية وكأنها تكرّس الحلول المؤقتة، وتغضّ الطرف عن إعادة هيكلة القطاع العام، وهو في صلب التوازنات المطلوبة. ومن دون إصلاحات جذرية في هيكل الدولة، فإن أي إعادة رسملة أو هيكلة للمصارف تبقى عرضة لأن تُفرغ من مضمونها بعد بضع سنوات، لنعود وندور في الدوّامة نفسها. إن المسار التشريعي الجاري حاليًّا لإعداد قانون مخصص لمعالجة الفجوة المالية خطوة مطلوبة، شرط أن تندرج ضمن إطار متكامل يحدّد بوضوح: المسؤوليات الفعلية لكلّ طرف، مساهمة كلّ من الدولة والمصرف المركزي، حقوق المودعين كمرتكز لا يمكن التفريط به. إن تحميل جهة واحدة وزر أزمة أنتجتها السياسات العامة لن يُنتج حلًّا، بل يعمّق الشلل القائم ويؤخر الخروج من الأزمة. لقد أظهرت كلمة رئيس جمعية المصارف خلال مؤتمر اتحاد المصارف العربية الأخير حجم التحديات التي واجهها القطاع، وحرص هذا القطاع على الانخراط الإيجابي في إعادة بناء النظام المالي، من خلال رسملة جديدة، وتعزيز الشفافية، وتطوير أدوات العمل المصرفي بما يتماشى مع الاقتصاد الرقمي. لكن ذلك وحده لا يكفي. إن الإصلاح الحقيقي لا يُقاس بعدد القوانين المصرفية التي تُقرّ، بل بمدى الالتزام بتطبيق خطة وطنية شاملة تتشارك فيها السلطات العامة والقطاع الخاص على قاعدة الواقعية، والعدالة، والمسؤولية المشتركة. فلنُعد طرح السؤال كما يجب: هل نريد فعلًا استعادة ثقة مستدامة؟ إذا كانت الإجابة نعم، فالمعادلة واضحة: لا يمكن بناء قطاع مصرفي قوي على قاعدة مالية عامة ضعيفة، ولا يمكن استعادة النمو من دون تقاطع جريء بين إصلاح القطاع العام وإعادة هيكلة القطاع المصرفي.






























































