أحيّت إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية «الريجي» مساء أمس في «سيسايد بافيليون» في بيروت الذكرى التسعين لتأسيس، وأطلقت كتابها التوثيقي «تسعون» برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلا بوزير المال ياسين جابر الذي وصف «الريجي» بأنها واحدة من أهم المؤسسات الوطنية»، مشدداً على ضرورة أن يتوحد اللبنانيون «حول درء المخاطر» عن بلدهم، وإلى أن يكون رهانهم على تماسكهم لتحقيق استقرار بلدهم وحماية سيادته. وتمثّلَ رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام بوزير الزراعة الدكتور نزار هاني، وحضر أيضا عدد من الوزراء والنواب والسفراء والمديرين العامين والمسؤولين القضائيين وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية والجمركية والنقباء ورؤساء الاتحادات والجمعيات ورؤساء البلديات، إضافة إلى أعضاء لجنة إدارة «الريجي» وممثلي سلطة الوصاية وموظفين وممثلي الشركات التبغية ورؤساء البيع وشركات القطاع الخاص. وبعد فيلم تعريفي عن تاريخ «الريجي»، ونبذة عن الكتاب التوثيقي وشهادات حية عن المشروع، وصف سقلاوي في كلمته إحياء العيد التسعين وإطلاق الكتاب بأنه «احتفاء بمسيرة مؤسساتية راسخة في خدمة لبنان واقتصاده». واعتبر أن حضور جابر ممثّلًا بري، «تأكيدٌ على الرعاية الوطنية التي حظيت بها هذه المؤسسة، وعلى الثقة بدورها كإحدى الركائز الاقتصادية للوطن، وترسيخٌاً للعلاقة التي تربط الريجي بوزارة المالية كسلطة وصاية». وقال: «في عام الريجي التسعين، لا نقف هنا لنحتفل ووطننا ينزف، بل لأننا نملك قصة تستحق أن تُروى. قصة مرفق عام صمد عندما انهارت المرافق الأخرى، ونهض عندما تعب الوطن، وساهم بتمويل الخزينة عندما جفّت مصادر الدولة». وذكّر بأن مسيرة أعوام «الريجي» التسعين «بدأت عام 1935 في زمن الانتداب، ونمت مع الاستقلال، وازدهرت مع بناء الدولة يوم افتتح الرئيس الراحل كميل شمعون مركزها الرئيسي في الحدت، ثم واجهت، كما الوطن، فصول تسعين عاما ًمن الحربٍ والسلم، من الانهيار والنهوض». وتابع قائلاً: «من بيوتٍ تفوح منها رائحة أوراق التبغ والتنباك، خرج أطباء ومهندسون ومحامون، فكان الإنجاز الزراعي أول إنجازات الريجي، حين أُعيد توزيع الرخص الزراعية بعدل، لتعيش اليوم خمسة وعشرون ألف عائلة من هذه الزراعة بكرامة». لكنه شدّد على أن «هذا المسار الزراعي لم يكن ليكتمل، لولا العلاقة التي بُنيت مع المزارعين أنفسهم»، مشيراً إلى أن «الريجي نسجت علاقة وثيقة مع نقابات مزارعي التبغ، علاقة شراكة قائمة على الثقة والحوار». وأردف: « في لحظات الاختبار الحقيقية، حين كانت الخيارات مكلفة، والمواقف مصيرية، كان لا بدّ من سندٍ وطنيّ ثابت يحمي المؤسسة. وهنا لا يسعني إلا أن أذكر الراعي الأوّل لشتلة التبغ، والسند الذي لم يتبدّل في كل المنعطفات، دولة الرئيس الأستاذ نبيه بري، الذي آمن بهذه المؤسسة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من صمود الوطن. ووجدناه حاضراً كلما احتجنا موقفًا يحمي، وغطاءً وطنيًا يمنع الانكسار». وذكّر بأن «الأسعار المدعومة للمزارعين لما أُقِرّت، ولما بقيت زراعة التبغ قائمة حتى اليوم، لولا التوافق الذي قام بين دولة الرئيس نبيه بري والرئيس الشهيد رفيق الحريري، فكان لدور الرئيس بري الحاسم، ولثباته في الدفاع عن هذا الخيار، أثرٌ مفصلي، لا في صمود هذه الزراعة فحسب، بل في حماية هذه المؤسسة نفسها، وضمان استمراريتها كرافعة اقتصادية واجتماعية ووطنية». وأضاف سقلاوي: «من الأرض… كان لا بد أن تُبنى الصناعة. انطلقت الريجي عام 1993 بخط إنتاج واحد وصنف وطني واحد، واليوم لديها 15 خط إنتاج بقدرة ثلاثة ملايين سيجارة في الساعة، وتُصنّع أكثر من ستين صنفًا وطنيًا وأجنبيًا». ولفتَ إلى أن «مؤسسة البترون تحوّلت من مؤسسة مهجورة إلى أكبر مصنع معسّل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وخص بالذكر «رجلاً من رجالات الريجي، حمل مسؤولية الصناعة الوطنية في أصعب الظروف، من 1985 حتى 1990 هو عضو لجنة الإدارة المهندس جورج حبيقة، الذي حافظ على نبض المصانع حيًّا عندما كان الاستمرار فعل شجاعة وتحدٍ». ولاحظ أن «الريجي، مع تثبيت القاعدة الصناعية، رسخت الثقة مع شركات التبغ العالمية وهي ثقة بلغت حدّ إيداع بضائع هذه الشركات في مستودعاتها من دون أي ضمانة مالية من قبل الريجي، سوى الضمانة الأخلاقية التي بنَتْها عبر السنين. ومع نيل شهادات الجودة العالمية، وقعت العديد من اتفاقيات التصنيع معها، لتتحوّل الريجي تدريجيًا من مؤسسة تعتمد كليًا على الاستيراد، إلى مركز شرق اوسطي لتصنيع التبوغ المحلية والعالمية». وأبرزَ سقلاوي أن «الريجي، بموازاة هذا التوسّع الإنتاجي والتجاري، لم تتردد في مواجهة التهريب تجاريًا، باعتماد اسعار منافسة للمواد المهربة كما من خلال جهاز مكافحة التهريب، حقّقت إنجازات ملموسة، بالتعاون الوثيق مع الأجهزة الأمنية». وأكّد أن «الريجي تمكنت من تجاوز الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وحقّقت إيرادات صافية لخزينة الدولة فاقت 3 مليارات دولار بين عامي 2015 و2024، وبلغت الإيرادات الصافية في العام 2024 وحده 402 مليون دولار». وأضاف: «كما وعدنا فخامة رئيس الجمهورية في آخر لقاء معه، نتوقع ان تلامس عائداتنا الصافية هذا العام 500 مليون دولار». وشدّد سقلاوي على أن «هذه النتائج لم تكن أرقامًا فقط، بل حكاية إدارة آمنت بالإنسان، واستثمرت فيه قبل أي شيء آخر، فاعتمدت الريجي نموذجاً مغايراً في الإدارة العامة، فرشّقت هيكليتها، واعتمدت على مبدأ الشراكة مع القطاع الخاص. وخفّضت عدد العاملين من خمسة آلاف موظف في السبعينيات إلى أقل من 700 عبر ثقافة التدريب بالتعاون مع معهد باسل فليحان المالي إضافة إلى بناء علاقة تكاملية مع نقابة عمال الريجي». وتابع: «من هنا، تخطّى دور الريجي الاقتصاد والصناعة، ليدخل في صلب الدور الاجتماعي، فكانت حيث يجب أن تكون الدولة فعلًا، إلى جانب الناس، والمزارعين، والمصانع الوطنية بالفعل والمسؤولية. دعمنا المزارعين، ثبّتناهم في أرضهم، ووقفنا إلى جانبهم في الحرب كما في السلم». وأشار في هذا الإطار إلى أنها «أطلقت سلسلة مشاريع تنموية مع البلديات حيث نُفّذ 246 مشروعاً إنمائيًا في القرى التبغية، وكانت السباقة – بل الوحيدة – في عكّار، ووقفت إلى جانب المؤسسات العسكرية،، حيث بلغ اجمالي المساعدات في اطارة المسؤولية المجتمعية حوالي 20 مليون دولار». وتوجّه سقلاوي بالشكر إلى «وزراء المال المتعاقبين الذين واكبوا الريجي ودعموا خطواتها منذ أن أصبحت مرفقاً عاماً تابعاً للدولة، وساهموا الإسهام الكبير في استدامة هذا المورد الوطني». وقال: «في العيد التسعين، ولأنه حدث يمر علينا في العمر مرة، نحن هنا لا لنُطلق كتابًا فحسب، بل لنرسخ في الذاكرة الجماعية مسيرة هذا المرفق الوطني، ولنقول للأجيال المقبلة: هذه قصتنا… وهذه هويتنا… وهذا إرثُنا. فكان» تِسعون «كتابَ ذاكرة، وكتاب وفاء، يروي حكاية الريجي منذ تأسيسها عام 1935 حتى اليوم، ويختزل تسعة عقود تتسع لكثيرٍ من المواقف والتحديات والإنجازات، وقد جاء ثمرة جهد امتدّ ثلاث سنوات، لفريق عمل ضخم» خصّ بالذكر منه مريم حريري ونور المولى ورنا كمال الدين. واستذكر «وجوهًا لا تغيب، موظفين أدّوا واجبهم حتى آخر نَفَس، ورفاق دربٍ تركوا بصمتهم في مسيرة المؤسسة» ووجه تحيّة إلى أعضاء لجنة الإدارة المهندس جورج حبيقة والدكتور عصام سلمان والدكتور مازن عبود والمهندس عماد بسّاط وإلى «عائلة الريجي الأبطال الذين لم يخذلوا هذه المؤسسة يومًا، فتميّزوا بانتمائهم وحرصهم، وجعلوا الوفاء فعلًا يوميًا لا شعارًا». وبعد مقتطفات من خطاب سابق لبرّي، ألقى الوزير جابر كلمة ممثلاً رئيس مجلس النواب، قال فيها: «شرفني دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري تمثيله في احتفالكم اليوم، في ذكرى تسعين عاماً على تأسيس الريجي، وإطلاق الكتاب الذي يحفظ إرث هذه الأعوام وذاكرة مؤسسة تنقل بأمانة، تجربة يُسجل لها انها انتقلت مع عدد من المزارعين والإداريين المحدودي العدد وبعض الآلات التقليدية، إلى واحدة من أهم المؤسسات الوطنية، التي تجمع تحت جناحيها مزارعين صامدين في أرضهم عند تخوم الوطن، في الجنوب وبعض مناطق البقاع والشمال، كما تجمع زنوداً صناعية وطاقات علمية ابتكارية، وكفاءات إدارية انصهرت جميعها في دورة إنتاج زراعية وصناعية وتجارية وتنموية وربحية، موفّرة فرص عمل لمئات العاملين المكافحين، والمختصين المبدعين، وهي الأولى بين مؤسسات الدولة في رفد الخزينة العامة بإيرادات لافتة».

























































