في ظلِّ تصاعد الأسئلة الهُويَّاتيَّة في المُجتمعات المُتعدِّدة، وتَفاقُم التوتُّرات التي تُهدِّد ملامح الانتماء الجمعي، يبرُز كتاب “الأقلِّيَّات رُكنٌ يتصدَّع بصمت – المُوحِّدون الدروز اضطراب الهُويَّة الأقلَّاويَّة المُؤدلَجَة والنَّزعة الانشطاريَّة المُوَحَّدَة، انقسامٌ مُتَماسِك أم تماسُك مُنقَسِم؟” للباحث الدكتور حسام نصَّار كمُساهمةٍ فكريَّةٍ نوعيَّة تُعيد طرح إشكاليَّة هُويَّة الأقلِّيَّات وتحديدًا الأقلِّيَّة الدُرزيَّة، في إطارٍ فلسفيّ، اجتماعيّ، إنثروبولوجي.
بدعوةٍ مُشتَرَكَةٍ بين الرابطة الثقافيَّة الرياضيَّة – بيصور، وجمعيَّة معًا نُعيد البناء، ودار أبعاد للطباعة والنشر.شهد مركز الرابطة الثقافيَّةفي بيصور حفل إصدار وتوقيع الكتاب الموسوعي “الأقلِّيَّات رُكنٌ يتصدَّع بصمت”،الذي جاء ثمرة سنوات من البحث الميداني والتحليل النظري.يُعَدُّ هذا الكتاب مرجعًا أكاديميًّا مُهمًّا لكل المُهتمين بقضايا الهُويَّة، الأقلِّيِّات، الفكر الدِّيني، والفلسفة الاجتماعيَّة في العالم العربي.
ينطلِق الكتاب من أُفهوم الأقلِّيَّات ليس كحالةٍ عدديَّةٍ فحسب، بل كـرؤية كونيَّة وذاتيَّة، تُعبِّر عن طريقةٍ يُدرِك مِن خلالها أفراد هذه الجماعات القناعاتيَّة ذواتهم والآخرين والعالَم بأسره. فالأقلِّيَّة هنا ليست انعزالًا بل تأمُّلًا، وليست موقفًا دفاعيًّا بل سؤالًا مفتوحًا حول المعنى والكينونة والانتماء.يمضي د. نصَّار في فصول كتابه إلى تفكيك النسق المعرفي والثقافي للهُويَّة الدُرزيَّة، عبر مُقاربة التزاوج بين العُمق التاريخي والانثروبولوجي والهرمنيوطيقاوالتصوُّف، مُضيئًا على التحدِّيَّات التي تواجه هذه الهُويَّة في مشهدٍ إقليميٍّ تتصارع فيه العولمة مع الانغلاق والاندماج مع التمايز.
بدراسةٍ مُعمَّقةٍيُعالِج هذا الكتاب البُنية الاجتماعيَّة والروحيَّة للطائفة الدُرزيَّة في لبنان، كأقلِّيَّة عدديَّة تواجه تحدِّيَّات هُويَّاتيَّة مُركَّبة، في مشهد تتداخل فيه الموروثات الاجتماعيَّة والمُعتقَدات الدِّينيَّة مع السلوك الجمعي والتماثُلات الذاتيَّة. هذا ويُركِّز د. نصَّار على تفكيك أيديولوجيا الانتماء الطائفي، وتحليل تركيبة السُلطة الزمنيَّة والدِّينيَّة داخل الطائفة، كما يُقدِّم قراءة نقديَّة للخصوصيَّة الثقافيَّة التي تُعيد تشكيل الوعي الجمعي الدُرزيبكل امتداداته السياسيَّة والاجتماعيَّة والدِّينيَّة.يتعمَّق الباحث عبر دراسته الجديدة في تحليلتأثير الموروثات الاجتماعيَّة ومفاهيم الدِّين والتديُّن على السلوك الجمعي، مُنطلِقًا من النظام الدِّيني ومقوِّماته، والأيديولوجيا المُجتمعيَّة، وتركيبة السُلطة. كما يُعاين العلاقة بين الفرد والجماعة وبينالمُجتمع اللبناني الأوسع. كما يُعالِج الكتاب التحدِّيَّات الهُويَّاتيَّة التي تواجه هذه الجماعة من خلال تفكيك التداخل بين الهُويَّة الطائفيَّة والعقيدة الدِّينيَّة، مُسلطًا الضوء على آليات تَشَكُّل العقليَّة الدُرزيَّة، وتفاعلها مع التَدَّيُّن الاجتماعي، إلى جانب سلوك الأفراد داخل الجماعة وخارجها. وعليه، فالأقلِّيَّات والهُويَّة المضطربة ليس مجرد دراسة إنثروسوسيولوجيَّة، بل مشروع فلسفي وتحليلي يستند إلى رؤية نقديَّة تُلامس الواقع اللبناني، وتفتح أبوابًا لفهم أعمق للتحوُّلات التي تعصف بالهُويَّات الفرعيَّة في المُجتمَعات المُتعدِّدة. هذا وينتهي الكاتب إلى قراءة في كيفية تحوّل المُعتقَدات إلى أخلاقيَّات إنسانيَّة تتجاوز التعصُّب والتشدُّد، مع تحليل العلاقة بين الدِّين والسياسة، والدِّين والمُجتمَع، في ظلِّ واقع لبناني مُتعدِّد الطوائف والهُويَّات.
بهذا الكتاب، يُضيف الدكتور حسام نصَّار مرجعًا أكاديميًّا نوعيًّا إلى مكتبة الدِّراسات الهُويَّاتيَّة، مُسهمًا في فتح نقاش مُعمَّق حول مصير الأقلِّيَّات وحدود اندماجها، وأثر التَدَيُّن في إعادة إنتاج هُويَّتها وخصوصيَّتها.كما يُمثِّل هذا العمل إضافة نوعيَّة إلى النقاش السوسيولوجي والهُويَّاتي حول واقع الأقلِّيَّات في لبنان والشرق الأوسط، ويطرح تساؤلات عميقة حول العقيدة والانتماء والهُويَّة الجماعيَّة وعلاقتها بالآخر، ضمن سياق من التأمُّل والتحليل العلمي الرصين.يأتيهذا الإصدار في توقيتٍ بالغ الأهميَّة، في ظلِّ تصاعُد التوترات الهُويَّاتيَّة، ويُعَدُّ مُساهمة معرفيَّة جريئة في إعادة تأطير النقاش داخلوخارج ثُنائيَّة الاندماج أو العزلة.يبقى كتاب “الأقلِّيَّات” نداءً فكريًّا يدعو إلى إعادة فهم الذات الأقلَّاوِيَّة بوصفها مشروعًا معرفيًا لا مجرَّد ردّ فعل اجتماعي، في لحظة تاريخيَّة تتطلب إعادة بناء المفاهيم لا تكرار الانتماءات.
وقد تضمَّن الحفل كلمات لكلٍّ من رئيسة الرابطة الثقافيَّة الأستاذة ردينا العريضي، ورئيسة هيئة الكتاب في جمعيَّة معًا نُعيد البناء رئيسة بلديَّة رشميَّا الدكتورة داليا فرح، والمُحاميَّةرشا مدَّاح، واختُتِمَ الحفل بكلمة المُؤلِّف.أدارت الاحتفال الإعلاميَّة سماح الحاج، وسط حضور أكاديمي وثقافي مُمَيَّز.