في ظل التفلت الاقتصادي والمالي والامني، يغرق لبنان في مصاف الدول الخارجة عن القانون يومًا بعد يوم ممّا يزيد من مخاطر ادراجه رسميًا على اللائحة الرمادية لمنظمة الـ”فاتف”. صحيح أن لبنان وضع على هذه اللائحة عام 2000، لكنه تمكن من الخروج منه عام 2001. بعد إنشاء وحدة امتثال في هيئة التحقيق الخاصة لمصرف لبنان، حيث بدأت بتبادل المعلومات مع الجهات المعنية. وأُنشئت أقسام الامتثال في كل مصرف، وبدأت العمليات المصرفية تخضع لمراجعة هذه الأقسام قبل إتمامها. طُلب من العملاء تعبئة نماذج “اعرف عميلك” لتوفير معلومات أكثر وضوحًا عن هوياتهم. اليوم لا تهتم مجموعة العمل المالي فقط بسن القوانين، بل أيضًا بتطبيقها. يسود شعور بأن هذه القوانين لا تُطبق بشكل فعال وابرزها عدم تعاون القضاء اللبناني في قضايا مرتبطة بملفات متعلقة بتبيض الاموال والتهرب الضريبي والجمركي المستشري، وانتشار الاقتصاد النقدي، مما يسهل عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب لصعوبة تتبع المعاملات النقدية.
ورغم التطمينات التي اطلقها حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري بأن المصارف الخارجية ستستمر في التعاون مع لبنان حتى لو وُضع على اللائحة الرمادية، إلا أن هذا الوضع سيشكل أزمة كبيرة. لان الوضع الاقتصادي في لبتان اليوم يختلف عما كان عليه عام 2000، حيث كان الاقتصاد في حالة جيدة آنذاك. أما اليوم، فإن وضع لبنان على القائمة الرمادية سيزيد من تصنيفه ضمن الدول المارقة والخارجة عن القانون الدولي وسيعرض القطاعات الاقتصادية والتجارية لمشاكل متعددة وهي تغاني اصلا بعد ان ضرب القطاع المصرفي برمته والجميع يعاني من احتحاز الودائع .
اضافة انه يعاني من تخلف وتعثر في الدفع وعدم تصنيف ائتماني، ووضعه على القائمة الرمادية سيكون له تأثير سلبي كبير.
“مجلة 24 ” سالت بعض رؤساء القطاعات الاقتصادية والتجارية عن هذا الامر لمعرفة ما هي المخاطر التي تحيط بعملهم .
رئيس نقابة مصانع المشروبات الروحية الدكتور كارلوس العظم قال ” الحقيقة اذا أدرج لبنان على اللائحة الرمادية فقطاعنا سيتأثر كثيرا لان جميع المواد الاولية التي نستوردها ومواد التوضيب وغيرها من المواد التي يتطلبها عملنا سنجد صعوبة في تحويل الاموال لاستيرادها واذا تم بيع المنتج النهائي هناك صعوبة بتحويل المال بمعنى أننا نعيش بشلل في البلد ، يعني او ان الصناعي عليه ان يفتح حساب مصرفي في الخارج ويبحث بكيفية مراقبة هذا الحساب وكيف يمكن أن يحول منه واذا لم يستطع فإن عمله سيصاب بالشلل ، اتمنى ان لا يحصل ذلك لانه سيضر بالقطاع الصناعي الذي هو ركيزة الاقتصاد كونه يؤمن العملة الصعبة البلد عن طريق التصدير، والذي يزيد من صعوبة عملنا هو ان القطاع المصرفي اللبناني تلقى ضربة قاضية لن يقوم منها الا بعد حل مشكلة الودائع وإعادة تنظيم القطاع ودمج المصارف اللبنانية مع بنوك عالمية، وإلا فلا حياة لمن تنادي لان البنوك في غرفة الطوارئ بانتظار الطبيب المشغول بأمور أخرى.
باختصار ان ادراج لبنان على اللائحة الرمادية اشبه بضربة قاضية لقطاعنا والى الاقتصاد اللبناني .
بحصلي
من ناحيته رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي اشار الى انه “من الصعب التنبؤ عن تداعيات ادراج لبنان على اللائحة الرمادية، وتأثيره المباشر أوغير المباشر على الإقتصاد عامة وعلى الحياة اليومية للمواطنين. إذ انه من المعروف والمؤسف ان لبنان يرزح تحت وطأة الأزمة الاقتصادية وهو بلد يعتمد بشكل كبير على الاستيراد.
لا شك أن ذلك سوف يكون عقاب كبير على مقومات اقتصاد لبنان *الشرعي*، والشرعي فقط، الذي يعتمد على الشفافية المحاسبية وصحة التصريح للدولة ودفع الضرائب والرسوم بدون تردد. ان هذا الإجراء سوف يقوّد بدون شك حركة الاستيراد والتصدير الشرعيين إذ يزيد صعوبةً كل العمليات المصرفية ويُرجع لبنان أعوام إلى الوراء من الناحية الاقتصادية بعد أن كان قدوة أمام البلاد المجاورة.
إلا أن مَن سوف يسعى إلى وضع لبنان على هذه اللائحة إما لا يعرف (وهذا خطير) أو يعرف تماماً (وهذا أخطر) انه، وبهذا الإجراء سوف يُنمّي ويغذّي الإقتصاد غير الشرعي والتعامل بالعملة النقدية أكثر فأكثر.
إذ انه من المستحيل ان تقف عمليات تحويل الأموال من وإلى الخارج لان حاجات البلد عليها ان تُلبّى مهما كانت الظروف أو العواقب. أن ما سوف يزدهر أكثر مما هو عليه الآن هو الإقتصاد غير الشرعي وشركات تحويل الأموال غير الشرعية حيث سوف تنشط وتزدهر أعمال الصرافين غير الشرعيين وعندها سوف يعمد، أو يضطر التاجر الشرعي اللجوء إلى هذه المؤسسات وايداع النقد في مكاتبهم في لبنان، والتي سوف تنتشر وبشكل سريع ومشبوه، على كافة الأراضي اللبنانية لكي يصار إلى تسليم المُورّد الأموال في بلد آخر. ولا داعي للتعمق في الآليات وتداعايت هذه الأفعال من ناحية تسهيل عمليات تبييض الأموال وحرم الدولة والإقتصاد الشرعي، بما فيها القطاع المصرفي الشرعي، من إيرادات وأرباح.
التنير
بدوره نائب رئيس جمعية تجار بيروت جهاد التنير اكد “ان ادراج لبنان على اللائحة الرمادية من شأنه ان يفرض قيوداً على التحويلات المالية من والى الخارج مما يؤدي إلى تضييق على العمليات المالية المصرفية. ومن الطبيعي أن يتأثر القطاع التجاري بشكل مباشر بتلك القيود لناحية العلاقات مع الموردين في مختلف الدول وكذلك ستتأثر مجمل الخدمات المتعلقة بالاستيراد والتصدير لناحية معاملات الشحن والتأمين وخلافه.
إلا ان مصادر مصرف لبنان أكدت لنا ان الحاكم بالإنابة وسيم منصوري بذل جهداً كبيراً لتلافي ادراج لبنان على اللائحة الرمادية وحقق معظم المطالب ذات الطابع المالي التقني لتحسين مستوى الأداء المالي لمصرف لبنان واعادة توفير احتياطي وهيكلة ميزانية المصرف من خلال إجراءات صارمة مثل التوقف عن تمويل الدولة وتوفير القدرة على التدخل في سوق القطع لتثبيت سعر الصرف والعديد من الإصلاحات المطلوبة مما انعكس استقراراً في الأسواق المالية المحلية.
وتبقى الإصلاحات ذات الطابع السياسي والاقتصادي وكذلك لناحية تنفيذ الأحكام القضائية ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي والجمركي وضبط الحدود وغيرها من التدابير الضرورية المتعلقة بسلوكيات الحكومة وهو أمر يبدو بعيداً عن التحقيق في المدى المنظور مما يبقي سيف ادراج لبنان على اللائحة الرمادية مسلطاً بشكل دائم إلى حين توفر هذه الشروط.
وقد لاقت إجراءات المصرف المركزي تقديراً واستحساناً في الأسواق المالية العالمية، أدى إلى تجاوب بعض البنوك المراسلة مع تلك الجهود ووعدت بدراسة تخفيف حدة القيود التي يمكن أن تؤثر سلباً على التبادلات المالية بين البنوك المحلية والأجنبية لناحية التحويلات التجاريّة من والى لبنان.
ويبقى التأثير السلبي الأكبر في هذا الأمر على التحويلات الخاصة الواردة إلى لبنان بالعملات الأجنبية من المغتربين واللبنانيين العاملين في الخارج وهي تقدر بحوالي سبعة مليارات دولار سنوياً، مما يجعلها عرضة لقيود شديدة من قبل البنوك الدولية وشركات تحويل الأموال وهو أمر سؤثر على مداخيل الكثيرين من العائلات اللبنانية التي تعتمد على تلك الأموال الواردة من أبنائها العاملين بالخارج وسينعكس حرمانها من تلك التدفقات المالية الشهرية سلباً على الاسواق التجارية الداخليّة وحركة الاستهلاك في البلاد نتيجة لذلك.
المصدر: مجلة 24