لقد لعبَ شوشو دورًا حاسمًا في نهضةِ النَّقدِ الكوميديّ، وبقَدرِ ما كان عالِمًا في نَسجِ عَصَبِ الضَّحِك، بِقَدرِ ما كان يُتيحُ به نوعًا من التّفريغ لاحتقانِ التَشَوّش، والقلقلة، والضّغطِ المكبوت، والامتعاضِ من الأوضاعِ المفروضةِ، والتي ظاهرُها وعودٌ برّاقة، وحقيقتُها إهمالٌ وفساد. من هنا، وإِنْ كان الضَّحِكُ، مع شوشو، صدمة، غيرَ أنّه طريقةٌ قريبةٌ جدًا من السِّحر.
على الخشبة، أماطَ شوشو اللِّثامَ، بالشّرحِ أو بالإيحاء، عن مقاربةٍ مُفرِطةِ الدقّةِ لحالِ البلدِ والنّاس، لذلك، لم يعدِ العبورُ، معه، الى الضّحكِ مجرَّدَ انفعالٍ مُثقَلٍ بأحاسيسَ سارَّة، بل أصبحَ ظاهرةً تنعطفُ فائدتُها الشّعورية على الذّاتِ في نزاعِها مع الواقع. ولمّا كان شوشو قادرًا، بموهبةٍ استثنائيّة، على استحضارِ الصّورة الذهنيّة التي تحضُّ على الضّحك، والتي لا يمكنُ الفرارُ منها، بدليلِعدمِ القدرةِ على إبقاءِ الرؤوسِ مستقيمة، كانالحاضِرون، إزاءَهذا الأسلوبِ الفنيّ البارِع، يضعون أنفسَهم في حالةِ انتظارٍ ” قَبْلِيّة ” لاكتشافِ خلفيّاتِحلقاتِ شوشو.
لقد انقسمَ النُقّادُ في مسألةِ شَكلِ شوشو،فمنهم قلَّةٌ اعتبرَت أنّه تعويضٌ عن إخفاقٍ في الأداء، إذ بمجرّدِ أن ينظرَ الواحدُ الى شوشو، سوف يضحكُ من شكلِه، وهذا الانفعالُ ليس مقياسًا للنّجاح. أمّا الأكثرون فرأَوا في أنّ شوشو بعيدٌ عن الصَّنعة، استخدمَ إمكانيّات شكلِه كشريكٍ في قسمِ الإضحاك، وليسَ أساسًا فيه، وهذا ما فعلَه العديدُ من الكوميديّين في الشّرقِ والغَرب. لا شكَّ في أنّ للمظهرِ الجسمانيِّ قدرةًللتّحفيزِ على الضّحك، لكنّ شوشو المُحتَرِفَ، كان ينقلُ طاقتَه الى وَقفاتِهِ الهادِفةِ، فوقَ خشبةِ المسرح، بأداءٍ باهرٍ، يبعثُ اللَّذةَ، والحُبورَليسَ للحاضرين، فقط،بل، أيضًا، لِحَديدِ مساميرِ الخشبة.
لقد آمنَ شوشو بأنّ الإضحاكَ المَدفوعَ بالفرح، طريقٌ موصِلٌ الى التّربية، من هنا، كانت مسرحيّاتُهُ تَجوالًا إبداعيًّا فوقَ بيادرِ المجتمع، لَصيقًا بيوميّاتِ الناس،من هنا، كان لا بدَّ من أن تُدرَجَ مسرحيّاتُه في أُطُرِ الأدبِ الاجتماعيّ، فعائداتُها في الإرشادِ، والتّوعية،حوَّمَت بالمجتمعِ فوقَ ما كان يعتادُه. لقد واجهَ شوشو الحالةَ المُكَرَّرةَ في طبائعِ الناس، والمسؤولين، والتي لخَّصَها “بديع الزّمان” بأنّ الإنسانَ ” خدّاعٌ، يعيشُ مع الذّئب، ويبكي مع الرّاعي “، لذلك، كانَ دَمُ شوشو في النَّقدِ شديدَ الحُمرة، وغالبًا في جسدٍ كوميديّ، يعبرُ الى الوجدانِ، والوعي، فوق جسرٍ الضّحكةِ التي تستهوي القلوب.
لقد فتحَ شوشو، في مجالِ النَّقد، جبهاتٍ عديدة، يمكنُ، إذا تمَّ جَمعُها، أن تُؤَجِّجَ انتفاضةً عارمة، ذلك لأنّ المسرحَ، مع شوشو، لم يكن فُرجةً جماهيريّةً بسيطة، إنّما رسالة ثوريّة تنحرُ سلوكيّةَ الحُكّامِ الذين لم يُعطِ شوشو أيًّا منهم، في مؤسّساتِ النّظام، صَكَّ براءة سُلطَويّة، بل كدَّسَ لهم نقدًا ساخرًا، لاذعًا، لأنهم يصادرون حقوقَ الشّعبِ تحتَ مسميّاتٍ وذرائعَ واهية. كذلك،كانت جبهاتُهُ رسالةً الى النّاسِ، يصوِّرُ عاداتِهم البائدةَ في الاجتماعِ، والعلاقاتِ، والتعاطي الوطني،وفي التّصفيقِ على غيرِ هداية، غيرَ متنبِّهينَ لِمَن يَقبعُ على رِقابِهم، ما يشكّلُ سلوكًا مُدَمِّرًا لأيِّ أملٍ بالتَّغيير، وبتحقيقِ نقلةٍ نوعيّةٍ صوبَ الأفضل، والأرقى. واستنادًا، فقد اتّخذَ النَّقدُ الكوميديُّ، مع شوشو، طابعًا ملازِمًا له، في كلِّ أعمالِه، ولم يكن تفصيلًا مُتَكَلَّفًا، ومُصطَنَعًا، أو عيبًا مُبتَذَلًا، إنّما كان فتحًا استصلاحيًّا جدّيًّا، بالتّحذيرِ، والتّنبيهِ، والإنذار، على طريقةِ ” موليير “.
كان عصرُ شوشو، عصرَ المُلوكِ وليسَ عصرَ الشّعوب، وكان الشّائعُ المَتبوعُ أن تُخفَضَ الرؤوسُ أمامَ السُدّات، لتستقيمَ الطّاعة. لكنّ شوشو المُواجِهَ باستمرار، لم يكنْ، مرّةً، باردَ الأنفاسِ في النّقد، لا يؤثِّرُ فيه تهديد، ولا يخشى زنزانة، فلا يبدِّلُ حَرفًا في المحتوى،ولطالما خَرَجَ عن النّصِ بِما هو ” أَلذَع ” مِمّا كان فيمضمونِه. أمّا العَجَبُ فهو أنّ شوشو الذي أَسهَرَ فنَّهُ تَوَقُّعًا لِفَجر، غابَ قبلَ أن يُطِلَّ النّور، وربّما كانت الوفاةُ، له، أَصلَح، فالعصرُ لم يتبدَّلْ، و” الدّنيا دولابٌ ” جامِد، والفسادُ الثّابِتُ على مَرِّ الأيامِ، ثابِت، حتى أنّ صرختَنا معه لم تتبدَّل، بالأمسِ، واليوم، وفي الغَدِ أيضًا : ” آخ يا بلدنا “…