لمناسبة مئويّة المطران جورج خضر، أعلَنت الأمانة العامّة لحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة اطلاقَ ورشة عملٍ حولَ فكر المطران خضر وتأثيراته. جاءَ ذلك في لقاءٍ حاشدٍ أقامته، برعاية البطريرك يوحنّا العاشر ممثَّلًا براعي أبرشيّة جبل لبنان المطران سلوان موسي، يوم السبت ٦ تموز ٢٠٢٤ في جامعة الحكمة-فرن الشبّاك. شارك فيه المطارنة الياس عودة، أفرام كرياكوس، انطونيوس الصوري وانطونيوس سعد. كما شارك وزير الثقافة محمّد وسام المرتضى (متكلّمًا)، وزير العدل هنري خوري، النائب جورج عطالله، الوزيران السابقان رشيد درباس (متكلِّمًا) وألبير سرحان، أمين عام مجلس كنائس الشرق الاوسط ميشال عبس، رؤساء بلديات، قُضاة، ممثّلون عن مطارنة وجامعات وهيئات، كهنة ومدعوّون، الأمين العام للحركة إيلي كبّة والأمناء العامّون السابقون ورؤساء المراكز والفروع الحركيّة وأعضاء الحركة في لبنان.
بعد عرض العناوين العامّة لورشة العمل على شاشةٍ كُبرى، بدأ اللقاء بالنشيد الوطنيّ، تلته صلاة. ثم كانت كلمات لمقدّم الاحتفال، المتكلّم باسم الحركة، غسان الحاج عبيد، الأديب الياس الخوري، وتلتها عنه بسبب ظروفه الصحّية التي حالت دون حضوره، مساعدتُه دنا ماضي، الوزير رشيد درباس، الوزير محمّد وسام المرتضى والمطران سلوان موسي. وعُرضت مقتطفات قصيرة من عظة للبطريرك يوحنّا العاشر غداة تقليده المطران خضر وسام الكرسيّ الأنطاكيّ، ومن أحاديث وعظات للمطران خضر تناولت علاقته الحيّة بالربّ، ونظرته إلى طرابلس، مدينته، والكهنوت والأسقفيّة والفقر.
في كلمته، استعرضَ غسان الحاج عبيد التاريخ الفكريّ واللاهوتيّ والثقافيّ الرحب للمطران الذي قامت عليه نهضةٌ أنطاكيّة أرثوذكسيّة وتربّت أجيال، وتوقّف عند مكانة الحوار لديه واطلالاته على منابره، مذكّرًا بأنّ “فلسطينَ كانت جرحه لأنّ “إسرائيل”، في منظاره، كيانٌ حُبِل به بالاثم وولِد في الخطيئة”. ورأى أنّ “بالنسبة لجورج خضر كان ينبغي ليسوع الناصريّ ألا يبقى ضمن جدران المعابد، إنّه كان يراه طالعًا من رحِم الفجر، من قبل كوكب الصبح، ناصبًا خيمته في الكون، ومادًّا فوق الكون بساطَ رحمته، ليغمر الخليقة بحبّه الذي سيسيل يومًا على الصليب دمًا زكيًّا”. وتوقَّف عند مركزيّة علاقة المطران خضر الشخصيّة بيسوع المسيح كأساس لكلّ ما تميّزت به مسيرته إلى اليوم، والذي جعلته رؤيتُه الكونيّة له يُقبل على التبحّر في الديانات التوحيّدية الأخرى لا سيّما منها الاسلام.
الأديب الياس الخوري، استعادَ محطّات من علاقته بالمطران جورج منذ يوم كان طالبًا كاتبًا في مجلّة “الكلمة” التي كانت تصدر عن أسرة الطلّاب في الحركة، وتوقّف عند المدّ الثقافيّ في هذه العلاقة وموقع قضيّة فلسطين فيها. وأشار إلى أنّ جورج خضر حمَل، في شخصه، المحبّة والقداسة والأفكار وحبّ الحياة، وهي الأفكار التي قد تبدو متناقضة إلا أنّها وصلت الى تناغمها الكامل فيه، وأنَّ تأسيس خضر ورفاقه للحركة، ودوره في الكنيسة، جعل الكنيسةَ تنهض من حالها كفتى يكتشف طريقه في الحياة. ورأى خوري أنّ خضر، الذي لا يريد غير يسوع في قلبه، “قد حوَّل الكلمات الى نارٍ يشتعل فيها التوق إلى الحرّية والخلاص”، وأنّه سيتحوّل يومًا الى رائدِ لاهوت التحرير في الأدب العربيّ. واختصَر خوري رسالة المطران جورج “بأنّ الطفولة والكهولة يلتقيان في الحبّ”.
الوزير رشيد درباس أوضحَ أنّه اختار عنوان “الجبّة الواسعة” لكلمته لا لمعناها المباشر “وانما لمعنى أعلى لبسَه المطران خضر وهو الكثرة في واحد”. ورأى أنّ صاحب المناسبة تخطّى قرنًا عنيفًا، مرافِقًا تقلّباته، مجابِهًا ما فيه من الشذوذ عن السياقات، بالتمسّك بها، “وسلاحه في ذلك الهيبة والثقافة والسماحة واللغة والمحبّة”، ومُشيرًا إلى أنّ مؤسّسي حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، وخضر منهم، “كانوا يزرعون في نفوس الشبيبة الايمان النقيّ وسلامة السلوك ويعلّمونهم أنَّ أعلى درجات الوطنيّة تكمن في بناء النفوس على قيَم الخير والحقّ وترويض الأجيال على التراحم الإنسانيّ.” وأنهى درباس بأنّ المطران خضر “هو أبو الرعيّة وأخو الكهنة وحمو المكلَّلين في سرّ الزواج المقدّس وفم الذهب وقلمه أيضًا، وذو الجبّة الواسعة التي تأوي إليها جميع الأسماء”، ولهذا، ختَم عن القائل “هذا العالم لا يكفي” بالتساؤل: أما يحقّ لنا أن نقول هذه المئة لا تكفي؟
أمّا وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، فرأى أنّ المطران جورج عاش، “من جوار بوابة الحدادين في طرابلس العتيقة، إلى بوابات الروح المطلّةِ على مفرداتِ السماء، مِئة من ضوءٍ وكلمات من أجل الكنيسة والحقِّ والإنسان”، مشيرًا إلى أنّ المطران خضر هو أسقفَ التلاقي والجراح والعربية. “فتَعَرُّفُهُ الأولُ بوجه يسوع في المؤسسات التعليمية الكاثوليكية لم يحل بينه وبين تأسيس حركة الشبيبة الأرثوذكسية، أكثرِ النهضاتِ فعلًا وأوسعِها أثرًا في تاريخ أنطاكيةَ الحديث”، ولا “حجزَه إيمانُه المسيحيُّ الواعي عن التماسِ حضورِ الناصريِّ ووالدته مريم في آياتِ القرآنِ الكريم وسُوَرِه، فكان ذلك بابَه إلى فهم حقيقةِ الإسلام…”. ورأى في خضر مَن وجَدَ وجهَ يسوع في جراح الفلسطينيين وتشردِهم ودموعِهم على عتبات المنافي فوق مفاتيح البيوت”، ونطقَ بالروح، وكتب بضوءِ المحبة، بلغةٍ عميقة الغَورِ ضاجّة بالفصاحةِ. وختمَ مُرتضى بأنّ المطران خضر كانَ ضوءًا على الكنيسة والشبيبة ولبنان وعلى الإرث المشرقي، معلنًا أنّ التراث الضخم لصاحب المئويّة جديرٌ بأن يكون له محلّ خاصّ في المكتبة الوطنيّة في قاعة تحمل اسم المطران جورج خضر.
ختامًا كانت كلمة وجدانيّة للمطران سلوان موسي، فذكرَ، بدايةً، مهابةَ الموقف لحظة انتخابه خلفًا للمطران خضر، وما سادَ في لقائه الأوّل به، مباشرةً بعد انتخابه، حيث أوصاه خضر قائلًا “أعطنا المسيح الذي فيك”. واستعرضَ أحداثًا وجلسات حوارية، جمعته وسلفه طيلة السنوات الستّة الأخيرة، ناقلًا أقوالًا وتوجيهاتٍ إيمانيّة للمطران خضر فيها بقصدِ أن تكون فرصة تفاعل للمشارِكين وتلمّس لحضور خضر معهم، في اللقاء، بشكلٍ حيّ. وأكَّد المطران سلوان، فيما خصَّ حالَ المئويّ وألقابه، أنّ المطران خضر هوَ صورة ناصعة عن محبّة المؤمن للمسيح، ويصلّي جميع الأوقات، ولا زال هوَ من يزرع فينا الوعي وينقل لنا المسيح الذي لا هاجس عنده، ولا همّ، سواه، ولا اسم ينطق به غير اسمه.