أيُّها الطّليقُ العقلِ، الحَيُّ الإحساس، الحرُّ الوِجدان، يا مَنْ يُلقي الى فطرتِهِ القيادَ في ما يعملُ ويقول.
أيُّ خسارةٍ كانت تُرزَأُ بها الدنيا لو أَسرفْتَ في التَصَوّنِ أو التَرَهُّبِ، أو أَصْمَمْتَ مشاعرَكَ وأغمضْتَ عينيك عمّا في هذا العالَمِ من ضروبِ الأحاسيس، وانعَزَلْتَ…
أنتَ بِنَجوةٍ عن عواصف الأهواءِ، مُحيطٌ بقيودِ الرزانةِ، تَخضعُ لمروءةٍ يستحيلُ صَبغُها.
أنتَ تَستخدمُ القلبَ في نَشرِ إرشادِكَ، وهذه خطةٌ نبيلةٌ تقدِّمُ صورةً لتلك النّفسِ الغاليةِ الغالية. لم تُبدِ لنا إلاّ وجهَ المودّة، ولم نَعثُرْ منكَ إلاّ على قُبلةٍ وابتسام، فحَلَفْنا ألّا نَخلِفَ لكَ وعداً.
أنتَ المولَعُ بالخدمةِ، لأنَّكَ فيها من البَرَرَةِ الأَتقياء، ما غالَطْتَ يوماً في تقديمِها، فهي معكَ صنيعةٌ تلقائيّةٌ نطمعُ بها مع عَجزِنا عنها، وكأنّكَ المعلِّمُ المُندَفِع الذي يُدركُ أنَّ المنفعةَ ممّا يَعرفُ تذهبُ للمُتَعَلِّمِ من دونِه، ويُسَرُّ.
أنتَ المَكدودُ على رجاءِ سلامتِنا، طالما الزمانُ زمانٌ، فنُبلُكَ الذي صارَ اليومَ تركيبةً نادرةً، هو السّلوكُ الكريمُ الذي يُنسَخُ عنه.
انتَ الهمَّةُ القاطِعةُ الى الطِباعٍ الوَقورةِ التي من حُسْنِ الشِّيَم، والتي لا تتضمَّنُ إلّا وجهاً واحداً وهو ذاك الهدوءُ الدالُّ على أنّ خصالاً راقيةً ليس أَقلَّها التواضعُ والصّدق، لها في نفسِكَ عمارات.
أنتَ الغصنُ بِفواكِهَ كثيرةٍ، تُطلُّ على لُطفِ المَعشَر وطُهرِ الخُلق، إطلالةَ الثَّغرِ على الإبتِسام.
أنتَ من الذين يُصطادونَ في نهرِ القِيَم، لَطافةَ ذِهنٍ وطيبةٍ، وأنتَ بقيّةٌ من جيلِ الصّالحينَ الذين نُشِّئوا على الأُصول، فما بَدَّلوا تَبديلا.
أنتَ في الناسِ من بينِ التُّحَفِ النّادرةِ المِثال، فأيُّ خَصلةٍ فيكَ يمكنُ عَكسُها، وأيُّ اندفاعٍ لَستَ من أهلِه ؟
أنتَ صِنوُ نفسِكَ، أو مَمَرٌّ حَتميٌّ لِمَنْ لم يَستوفِ بعدُ زيارةَ مَعابدِ المحبّةِ للتَبَرُّكِ من أعتابِها.
أنتَ الحِسُّ الذي يَحملُ أَعباءَ القلبِ والعقل، ليكونَ إيماءةً خاطِفةً كالنّورِ تُفتَحُ العَينُ بهِ على مسافاتٍ من الرُّؤى.
أنتَ الذي لم يَفتَرِشِ اللَّيثُ يوماً صدرَك، عاطفتُكَ تراثٌ روحيٌّ، لغةٌ لا رموزَ فيها، فبينَها وبينَ قلبِكَ نَهدات.
أنتَ الذي يَرفعُ الإحترامُ له عقيرتَهُ، لأنكَ الخَجولُ على كِبَر، تظَلَّلَ قلبُكَ بِكَومِ القِيَمِ بما خَزَنْتَ في ذاتِكَ من مبادئِ الأخلاق.
أنتَ الذي جعلْتَ المحبَّةَ هي الأَذهَبَ في مسالكِ حياتِك، وكان التزامُكَ أن يكونَ قلبُكَ وعاءَ ودٍّ لها، وضميرُكَ وَقفاً على عهدِها.
يا أبي، مِنْ دونِكَ، دَعَوتُ بالفرحِ فلم تَقبَلْهُ نفسي.