بقلم د. نبال موسى
وقعت على مقال بقلم الكاتب والسياسي اللبناني المرحوم سجعان قزّي كان قد نشره في موقع أو نشرة اسمها “أسواق العرب” بتاريخ 5 نوفمبر 2020 بعنوان: “… ولكانت الحرية تضيء الشرق”، يتطرّق فيه الى الإسلام وعلاقته بمواضيع الحرية والعلمانية والإرهاب وغير ذلك مما ليس هدفي في هذا المقال القصير.
ما لفت نظري ودفعني الى التعليق هو مقدمة المقال التي تضمّنت تأكيدا من الكاتب لرواية غير مؤكدة على الإطلاق تتعلق بهوية صاحبة وجه تمثال الحرية الشهير في نيويورك.

والدة بارتولدي صاحب التمثال
يقول الكاتب في مقدمة مقاله: ” لو يَدري الإسلاميّون أنَّ تمثالَ الحرّيةِ في نيويورك اسْتوحاه النَحّاتُ الفرنسيُّ “أوغوست بار تولدي سنةَ 1885 من وجهِ امرأةٍ مُسلِمةٍ في قريةِ “أبو سُنْبل” من بلادِ النُوبَة المِصريّة. لو يَدري الإسلاميّون أيضًا أنَّ “بارتولدي” أرادَ رفعَ النُصُبِ الأساسيِّ على مدخلِ قناةِ السويس مع عبارة: “الحرّيةُ تُضيءُ الشرق”، فاعتذرَ منه الخِديوي إسماعيل باشا وأعطى أولويّةَ الإنفاقِ الماليِّ لشَقِّ القناة، فحَقَّقه “بارتولدي” في نيويورك سنةَ 1886 ليُصبحَ وجهُ امرأةٍ مُسلِمةٍ أشهرَ رمزٍ للحرّيةِ في العالم. لو يَدري الإسلاميّون ذلك لعادوا مُسْلمين، ولكانت “الحرّيةُ تُضيءُ الشرق”.
انكب كثير من المؤرخين على البحث في هذه القضية لمعرفة صاحبة الوجه الذي استوحى منه أوغوست بارتولدي وجه التمثال، وكثرت الأقاويل والافتراضات. لكن معظم المؤرخين يقولون إن الوجه ليس سوى وجه والدة بارتولدي شارلوت التي كان قريبا جدا منها.
وقد أجرت مجلة “في أس دي” الفرنسية في عددها الصادر في 3 تموز عام 1986 تحقيقاً يثبت ان وجه التمثال هو نسخة طبق الاصل عن وجه والدة النحات، ونشرت صورة وجهها الى جانب صورة وجه التمثال وكانا متطابقين تماماً. وقامت المجلة الشهيرة والرصينة “ناشيونال جيوغرافيك” بتحقيق آخر حول هذا الموضوع أيّدت فيه ما أبرزته المجلة الفرنسية، كما ذكرت أن النحات سئل مراراً حول هذا الشبه لكنه لم ينف ولم يؤكد.
ويقول بعض المؤرخين إن بارتولدي استوحى الوجه من وجه امرأة كان يستخدمها كموديل وهي في الواقع مومس اسمها “سيلين” كانت تعمل في بيت دعارة يقع في شارع “شازيل” القريب من المشغل الذي كان يتم فيه تركيب صفائح النحاس على جسم التمثال.
ويذهب بعضهم الى أن الوجه هو وجه أيزابيل أوجيني بواييه أرملة الملياردير إسحق ميرّيت صاحب مصانع ماكينات الخياطة ” سنجر” الذي ساهم في تمويل التمثال، لكن البحث توصل الى ان بارتولدي لم يلتق بها الا في العام 1875 وكان الوجه قد تم تصميمه في هذا التاريخ.
وأخيرا نشرت الباحثة ناتالي سالمون كتابا بعنوان: “ليدي ليبرتي أحبك” هو عبارة عن تحقيق طويل دام خمس سنوات حول هذه القضية انتهت فيه الى أن صاحبة الوجه هي شابة أميركية اسمها سارة كوبلنزر، تزوّجت للمرة الثانية من مهاجر فرنسي اسمه أدولف سالمون هو في الواقع والد جد المؤلفة وكان صديقاً لبارتولدي.
أما عن الحرية و”بلد الحرية” المزعوم فحدّث ولا حرج. كم من ملايين الضحايا “في رقبة” أميركا! كم مارست من الظلم والقهر والاستبداد عبر التاريخ ضد شعوب هذه الأرض ولا تزال!
وعلى كل حال، فالتمثال لم يكن مخصصا ليوضع في نيويورك بل على مدخل قناة السويس بعد الانتهاء من شقها، ثم حالت ظروف دون ذلك مما أدى الى وصوله إلى بلاد الحرية المزعومة. ولهذا قصة ربما نكتبها ذات يوم.
ترقبوا مقالا للإعلامي الدكتور نبال موسى كل يوم اثنين