بقلم الدكتور نبال موسى
اليوم يوم مطر. لا شمس ولا بحر ولا نزهات… فلنجلس لكتابة بعض الذكريات، اللهم تلك التي يمكن كتابتها ونشرها، لأن ليس كل ما يُعلم يُقال ويُنشر، خصوصاً وان في ذاكرتي أموراً وأسراراً لو نشرتها لجلبت لي الكثير الكثير من المشاكل والأخطار. فخلال 40 عاما من العمل في الصحافة المكتوبة والمسموعة رأيت الكثير وسمعت الكثير والتقيت بالكثير من الناس والشخصيات والمسؤولين من مختلف الوظائف والمستويات والمسؤوليات.
أعرف مسبقاً أن ما أكتبه في هذه الحلقة من الذكريات لن يعجب بعض الاصدقاء والزملاء والمعارف، لا بل قد يثير عليّ الانتقادات، وربما التهجم. لكن المسألة ليست سياسية هنا بقدر ما هي بروتوكولية وأخلاقية. ولكل امرئ رأي يجب أن يُحترم.
كنت أمينا عاماً لنادي الصحافة العربية في باريس لسنوات طويلة، وهو النادي الذي كان على مدى 15 عاما منارة صحفية عربية في باريس، وكان يتلقى خلالها التهاني السنوية من مختلف الدوائر الرسمية والقطاعات المهنية الفرنسية للدور المهم الذي لعبه. فخلال هذه المدة نظمنا حوالي 500 ندوة صحفية مع رؤساء دول وكبار الشخصيات السياسية والديبلوماسية والفكرية العربية والاجنبية، ولهذا النادي مقالة مقبلة ان شاء الله.
دُعي النادي في العام 2008 أو 2009 لم أعد أذكر، لمؤتمر صحفي مع سفير إيران في باريس في إحدى قاعات السفارة. كنت دائما أرفض اللقاءات الصحفية في السفارات أو الفنادق التي ينزل فيها المسؤولون. وخلال أكثر من 15 عاما من عمر النادي لم نوافق على مثل هذه المؤتمرات إلا مرة واحدة كانت في فندق الرئيس الفلسطيني أبو مازن، منعاً للإحراج في طرح الاسئلة وضمانا لحرية الرد والمناقشة.
بعد إلحاح الزملاء الذين كانوا يتعطشون لخبر جديد عن المفاوضات الغربية ـــ الإيرانية الحامية حول الملف النووي الإيراني في ذلك الوقت، وافقنا وذهبنا إلى السفارة الواقعة في جادة “أيينا” الراقية. كنا حوالي 15 صحفيا عربيا. جلست كعادتي في الصف الثالث أو الرابع في قاعة الاجتماعات، وكان يجلس الى يميني الزميل محمد بلوط مراسل صحيفة “السفير” في ذلك الوقت وإلى يساري الزميلة رلى الزين مراسلة تليفزيون “أم بي سي” في حينه.
فور جلوسنا بانتظار حضور السفير في الموعد المحدد، قُدّم لنا عصير لم أعد أذكر نوعه. وسرعان ما دخل السفير إلى القاعة وبدأ بمداخلته من دون أن يسلم علينا أو يرحب بنا كما جرت العادة. ولم تمض خمس دقائق على ذلك حتى تلفظ سعادة السفير اللبق ضمن كلامه بعبارة “الخليج الفارسي” قاصداً الخليج العربي.
أحسست بامتعاض شديد وغضب، وفي أقل من ثانية وضعت كوب العصير على الأرض أمام رجليّ وهممت بالوقوف، فسألتني الزميلة رلى: ما بك نبال؟ قلت: أنا ماشي، “الخليج الفارسي”؟ السفير يوجه إلينا إهانة واضحة وهو يعرف تماما أننا لا نعترف بهذه التسمية. ووقفت وخرجت والسفير والحراس في القاعة ينظرون إليّ باستغراب أو بغضب، لا أدري، وغادرت السفارة.
وفي اليوم ذاته أرسلت باسمي الشخصي ـــ لأنني كنت أعرف أن بعض أعضاء اللجنة الإدارية للنادي لن يوافقوا للأسف لأسباب مختلفة على إرسال رسالة باسم النادي ـــ رسالة استنكار إلى سعادة السفير، ولم يأتني أي جواب.
لن أدخل هنا في نقاش حول التسمية وما إذا كان الخليج عربيا أم فارسياً، ما أزعجني هو أن يواجه سعادة السفير 15 صحفيا عربيا يمثلون أهم وسائل الاعلام العربية بمثل هذا التصرف الذي هو في نظري إهانة، وفي دار السفارة حيث كنا ضيوفه. فالمعروف تاريخيا عن الفرس انهم ديبلوماسيون محنكون ولبقون، وكان من اللائق تحاشي هذه العبارة.
كلمة أخيرة ترددت في كتابتها لأن لكل إنسان ظروفه: كنت أتمنى لو أن الزملاء انسحبوا جميعا دفعة واحدة!
ترقبوا مقالا للإعلامي الدكتور نبال موسى كل يوم اثنين