كيف سيكون مشهد المنطقة العربية، بعد أن يهدأ “طوفان الأقصى”، بشكل أو آخر، على إثر تصعيد جديد، تحتاجه اسرائيل لاستعادة ترهيبها لجيرانها، وتجديد حركتها الدموية ضد الفلسطينيين، وعيشهم، وسعيهم إلى قيام دولتهم .فيما هي “تؤهل” الرأي العام العالمي لتقبل المزيد من مجازرها ضد الفلسطينيين؟
أثناء انعقاد القمة العربية في الجزائر ما بين 26 و28/11/73 تبنت قرارا يعترف لأول مرة بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني بموافقة جميع الدول العربية باستثناء الملك حسين الذي امتنع عن تصديق القرار فلم يعتمد وبقي سرا. وبتاريخ 18تموز1973 التقى الملك حسين ممثلي المقيمين من الفلسطينيين في الأردن ويزيد عددهم على المليون نسمة، وقد ترافق ذلك بحملة إعلامية غير مسبوقة من الصحافة المصرية على المنظمة تمهيدا لتهيئة الأجواء من أجل تنصيب الملك حسين متحدثا باسم الشعب الفلسطيني، واعتماد ذلك بقرار عربي في القمة العربية التالية والتي ستعقد في المغرب في 26/10/74. كان من المستحيل أن تقف فتح مكتوفة اليدين أمام هذه المخاطر لهذا تحركت مجموعات منظمة أيلول الأسود سريعا بتعليمات أبو إياد من أجل تنظيم عمل يردع الملك حسين وتنتقم منه ووضعت عدة مشاريع لاغتياله.
في مراجعة سريعة لبيانات القمم العربية، يبدو بيان مؤتمر القمة العربية في الرباط المغربية في تشرين الأول 1974 النموذج الأدق لما سيكون عليه الموقف العربي بعد “الطوفان”، إذ تشي الوقائع اللاحقة بيوم ا”السبت الذهبي” (7 تشرين الأول الجاري) أن القضية الفلسطينية انطلقت عام 1948، نكبة اسلامية، حسب الوقائع وردود الفعل والمشاركات الميدانية، إبانها، ثم تحولت إلى قضية عربية، فقضية عربية مشرقية تعني الدول التي تحتل اسرائيل أجزاء من أراضيها، واليوم مع “الطوفان” باتت قضية فلسطينية صافية، ولو ادعت دولة من هنا، وأخرى من هناك، أنها سلحت وأمدت بأقصى إمكاناتها، فالواقع أن التاريخ يكتبه دم الشهداء وهو لا يذكر اليوم أن أحداً غير الفلسطينيين يفتدي فلسطين، بغير البيانات والتصريحات.
لن يستطيع حكّام العرب، وغيرهم، وحكوماتهم، بعد اليوم، التنظير في “تحرير فلسطين، فهم باتوا مجموعة من الدول المتفرجة على الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، مثلهم كمثل المجموعة الاسكندينافية، لا يملكون سوى الدعوة إلى التهدئة وحل الدولتين، تماما مثل ما نص عليه بيان قمة الرباط المذكور آنفاً، والذي من بنوده التي سيعود إليها أهل السلطات العربية:
= “تأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه، وتقرير مصيره”
= تأكيد حقه في إقامة سلطته الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، على أية أرض فلسطينية يتم تحريرها. وتقوم الدول العربية بمساندة هذه السلطة عند قيامها، في جميع المجالات وعلى جميع المستويات.
= دعم منظمة التحرير الفلسطينية في ممارسة مسؤولياتها على الصعيدين القومي والدولي، في إطار الالتزام العربي.
يضاف إلى كل ذلك “التوابل” السياسية العربية المعتادة عن الأخوة وتحرير القدس الشرقية ورفض التخلي عنها عاصمة للدولة الفلسطينية. لكن هذه “المنكهات” السياسية لم تعد تقدم أو تؤخر،في ترسيم الموقف، فوحدة المقاومة فرضت وجودها، ولم تنجح محاولات “البروباغاندا” التمييز بين المناضلين الفلسطينيين، ووضع هذا التنظيم في وجه الآخر، إعلامياً، ومن عدد شهدائه اكبر من عدد شهداء الآخر، فيما القضية الفلسطينية تخوض “حرب تحرير شعبية” لم تعرفها من قبل: حرب بلا جيوش، وبلا يافطات، وبلا وعود بتحرير قريب. وللمرة الأولى يتبين أن الكيانية عنوان ايجابي وليس فيه تخلّ عن الانتماء القومي، لأن فلسطين عنوان هذا الانتماء.