للمرة الأولى منذ النكبة الفلسطينية، وفرض الكيان الصهيوني على المنطقة العربية، لا تستطيع تل أبيب أن تفاخر بالإستدلال إلى تفوقها العسكري على الفلسطينيين بندرة قتلاها في المواجهات معهم. فقد حقق يوم “طوفان الأقصى” “الرقم الذهبي” أو التاريخي لعدد قتلى الجيش الإسرائيلي في المواجهات العسكرية، حروباً، ومعارك متفرقة، على مر تاريخ االعدوان الصهيوني. لكن الرقم النهائي لم يُعرف بعد، ولا يقل، حسب التغطيات الإعلامية ظهر اليوم الثاني للمواجهات، عن 700 قتيل من عسكر ومدنيين.
الأمر الثاني اللافت، أن الوقائع الميدانية فضحت الصورة الحقيقية لـ”هيبة” الجندي الإسرائيلي، فحين تبتعد عنه الأسلحة الثقيلة، من مدفعية وطيران، يفقد تفوقه، فيلجأ، كما حدث في غزة يوم الإثنين، إلى استخدام مكثف للقصف الجوي، واستهداف المدنيين في بيوتهم، والأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية العالية. ولربما أصاب الصحافي الأميركي الشهير توماس فريدمان، بقوله، يوم الأحد، عقب بدء “طوفان الأقصى”إنه أسوأ يوم في تاريخ اسرائيل”. ويمكن القارئ أن يتذكر ظروف حرب تشرين 1973، وتفاجؤ اسرائيل بتوقيتها وعبور الجيش المصري قناة السويس خلافا لما أشيع، عن استحالة تحرير سيناء، التي إحتُلّت في حرب 1967.
أوصل نصر 1973 إلى “سلام” بين مصر واسرائيل، خلافا لما يهدف إليه “الطوفان” الراهن، على ما يبدو. فمن ينظر في عمق ما يجري يجد فيه انقلابا مضمرا على سعي الرئيس الأميركي جو بايدن الى التطبيع في المنطقة، وبناء نظام إقليمي جديد، يواصل طريقه من دون عقبات كبيرة، ويأخذ موضعه.. فـ”الطوفان” المستجد يصب في مصلحة ما يريده محور “الممانعة، وفيه “حماس” والحزب المسلح، بقيادة ايران، وهو أن يكون شريكا مضاربا في النفوذ والمصالح والتعاملات.
يأتي هذا التصعيد في المنطقة على خلاف الرغبة الشديدة لإدارة بايدن منذ توليها الحكم في واشنطن في التركيز على الصراع في روسيا، وإعادة ضبط إستراتيجيتها الدولية في الشرق الأوسط، وفي سياق تنافسها المحموم مع الصين ورغبتها في تكريس قيادتها الدولية.
.