بقلم الدكتور نبال موسى
في إحدي ليالي العام 1999، كنت في مدينة أبها السعودية، وكنت أشاهد على شاشة تليفزيون سلطنة عمان برنامجاً فنيا موسيقيا أعدّه متخصص سوري لم أعد اذكر اسمه. كانت الحلقة في تلك الليلة تدور حول موسيقى الفنان العظيم محمد عبد الوهاب وحول ما اعتبره الناقد المتخصص اقتباسات عبد الوهاب من الموسيقى العالمية.
كان الرجل الذي بدا انه متخصص ومطلع يحلل هذه الجملة أو تلك من بعض أغاني عبد الوهاب، ويدّعي ان مطربنا الكبير ” سرقها ” من مقطوعة فلان أو علتان. وأذكر أنه قال مثلاً ان مقطعا من موسيقى أغنية عبد الوهاب ” النيل نجاشي ” مستوحى من موسيقى “أغاني بحارة الفولغا “، وأسمعنا المقطع المذكور في الأغنيتين مدللاً على ما اعتبره تقارباً. وأغنية النيل نجاشي، لمن لا يعرف، أغنية قديمة رائعة لمحمد عبد الوهاب، وهي من الأغاني النادرة التي كتبها بالعامية أمير الشعراء أحمد شوقي، ومطلعها:
النيل نجاشي / حليوه اسمر
عجب للونه / دهب ومرمر
ثم انتقل المتخصص المذكور ليحلل أغنية عبد الوهاب التي هي أيضا إحدى قصائد العظيم شوقي والتي نظمها في مدح الملك فيصل الأول ملك العراق وغناها بمصاحبة العود ومطلعها:
يا شراعاً وراء دجلة يجري / في دموعي تجنبتك العوادي
سر على الماء كالمسيح رويداً / واجرِ في اليم كالشعاع الهادي
وأتِ قاعاً كرفرف الخلد طيباً / أو كفردوسه بشاشة وادي
قف تمهّل وخذ أماناً لقلبي / من عيون المها وراء السواد ِ
وهي قصيدة يستخدمها بعضهم للقول بأن فيها إقرار بأن الكويت كانت ارضاً عراقية حيث يقول فيها أحمد شوقي عن ملك العراق :
ملك الشط والفراتين والبط / حاء أعظِم بفيصلٍ والبلادِ
وهذه قضية أخرى ليست موضوعنا الآن.
المهم، أن الأخ الناقد العظيم الحريص جدا على تتبع ” السرقات ” وغيرها مما لا يجوز في ميدان الفن، أجاز لنفسه جريمة فنية وأخلاقية وأدبية لا تغتفر. فعندما أسمعنا مطلع أغنية ” يا شراعاً ” الذي يدعي أن موسيقاه مستوحاة من موسيقى لم أعد أتذكرها، قطع بالمونتاج البيت الثاني الذي يقول فيه شوقي: سر على الماء كالمسيح رويداً…الخ وقفز الى البيت الثالث!!!
بغض النظر عن الجانب الديني في هذه المسألة، أتساءل: كيف يسمح لنفسه من يدعي أنه ناقد فني متخصص بتر قصيدة رائعة لأمير الشعراء أحمد شوقي، وبتر أغنية رائعة لمحمد عبد الوهاب؟ هل خاف أن لا يتقبل مشاهدو برنامجه سماع كلمة “المسيح” ، أم ربما تزعجه هو شخصيا هذه الكلمة؟ ألم يقرأ القرآن الكريم ليكتشف ما يقوله عن المسيح ابن مريم وعن عجائبه؟ هل قرأ الآية 171 من سورة النساء التي تقول حرفياً: ” إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ” ؟ هل كان أحمد شوقي كافراً لأنه كتب ما كتب وهو يصف المركب على سطح الماء مشبّهاً إياه بما يروى عن السيد المسيح عليه السلام؟ وهل محمد عبد الوهاب كان كافراً عندما غنى هذه القصيدة؟ أبداً ! إنه قمة الغباء والجهل والتعصب.
وزاد في الطين بلّة أنني استمعت منذ أيام على اليوتيوب الى المطرب المغربي عبد الهادي بلخياط وهو يغني الاغنية نفسها على العود. والمؤسف أن عبد الهادي فعل أبشع مما فعله “الناقد” السوري حيث غنى: ” قف ” على الماء كالمسيح رويداً، بدل ” سر ” على الماء…
يا عبد الهادي، الله يهديك! أحمد شوقي وصف المركب الشراعي وهو يسير على سطح الماء، لم يصفه وهو يقف. قليلاً من التسامح يا جماعة! لا يضير ايمانكم في شيء لو قلتم “سر” على الماء كالمسيح… فهي قصيدة لأمير الشعراء المسلم والمؤمن أحمد شوقي الذي نظم نهج البردة. هل نسيتم كم كرّم القرآن الكريم السيد المسيح واعترف بعجائبه؟ هل قرأتم القرآن أصلاً؟ انسيتم ان القرآن اعترف بأن السيد المسيح تكلم وهو في المهد؟ ( آل عمران 3/46)، وأنه أبرأ الأعمى؟ ( آل عمران 3/49 والمائدة 5/110)، وشفى الأبرص؟ ( آل عمران 3/49 والمائدة 5/ 110 وأيضاً آل عمران 3/ 52) وغيرها الكثير…هل قرأتم في القرآن الكريم( آل عمران 3/55): ” إذ قال الله يا عيسى أني متوفّيك ورافعك إلي” ؟…
إلى أين وصلنا؟ إلى أي درجة من الجهل والتعصّب سقطنا؟ كيف تغيّرت أدمغة أمتنا لتنحدر الى هذا المستوى الذي لا أرى شفاء منه؟
رابط أغنية عبد الوهاب:
https://www.youtube.com/watch?v=qMpmn0DU2lg
ترقبوا مقالا للإعلامي الدكتور نبال موسى كل يوم اثنين