وقع الباحث والمؤلف نادر سراج كتابه “بيروت جدل الهوية والحداثة” خلال ندوة أقيمت في مكتبة برزخ في الحمرا، بمشاركة عدد من الأكاديميين وجمع من المهتمين بالتاريخ الاجتماعي لبيروت.
افتتحت الندوة بكلمة أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية ساري حنفي الذي عرّف بالمؤلّف وبمنجزه العلمي اللساني والأنثروبولوجي، وأشار إلى أن الكتاب يستكمل مشروعًا معرفيًا راميًا إلى رأب القطيعة بين التاريخ والعلوم الاجتماعية”، استهله سراج (2013) بكتاب “أفندي الغلغول: تحولات بيروت خلال قرن 1854-1940″، ولاحظ أنه اعتمد فيهما نهج الدراسات البينية في العلوم الإنسانية.
وشرح سراج كيف يتآزر الدرس الأنثروبولوجي والمخيال المدينيّ واللغة المحلِّلة والشارحة مع الماضي المشترك لبيروت لتجسيد قيم المجتمع وتظهير مفاهيم الهُويّة والكينونة والانتماء عند الناس. فتفتّحات الحداثة النفعية وتأثيراتها لا تعدو أن تكون عملية إنسانيّة تساوق حياة الإنسان وتستجيب لمصالحه. والكتاب سيرة اجتماعية لمدينة عربية ناهضة من كبوات الحربين، نابضة بحيوات رجالاتها ويوميات عائلاتها. نهلت من حضارة بني عثمان، وتلقفت نسائم الحداثة الغربية الفرنسية التي بدلت فيها أدوارًا وطورت أنماط عيش. تبلورت بناها الإدارية والتربوية (الصنائع والمقاصد والليسيه والعاملية)، والاقتصادية وتطورت الأشكال السلوكية لأهلها. مما أحدث فوارق بينة الملامح في منظومات التعبير والثقافة والاجتماع والاقتصاد والعمران.
من جهتها لفتت استاذة التاريخ العربي الوسيط في الجامعة اللبنانية جوليات الراسي الى “ريادةُ هذا العمل الموسوعي القيّم ونجاح المؤلِّف في توظيف المنهج البيني الرائد في بحثه”، ورأت فيه “تاريخًا شاملًا متكاملًا” وعدّة كتب في كتاب واحد جاء نتيجة بحث مضنٍ، فتمثلت النتيجة بعمل رائد لم يسبق أن كُتِبَ مؤلَّفٌ عن “أمّ الشرائع” يضاهيه أو يشبهه لتاريخه.
واستهل الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية الدكتور محمد ناصر الدين مداخلته بعتبة شاعرية. واعتبر أن إعادة الثقة والحب إلى بيروت هما محطتا ثناء استحقهما المؤلِّف. وتمنى عليه جمع مصطلحات “كتاب العمر” التي تصف المدينة وروحها وحداثتها في معجم مديني.
ختامًا فتح باب النقاش ورد سراج على أسئلة الحضور ملخصًا ملامح العيش المتغير في بيروت ما بين الحربين. فقد ارتقت البلاد بالصنائع والفنون والعلوم وتعزّزت آدابًا رفيعة غيّرت النفوس، واعتُمدت مبتكرات حديثة قلبت أدوارًا ويسّرت خدمات. ترسّخت الهُويّة الوطنيّة وبدأت الفورة الاقتصادية (نهضة مدرسة الصنائع واستضافتها أول مؤتمر للحرير 1930 وصدور تقرير التطور الاقتصادي في لبنان 1948).
في تصديره الكتاب يدرج المستعرِب الفرنسي فرانك مرميه ملحوظة تتناول “صدوره في هذه الفترة التي تلي انفجار المرفأ في 4 أب 2021؛ فإذا كانت الأنقاض قد أزيلت وبعض الأبنية قد أعيد إعمارها، فإن آثار الصدمة الجسدية والنفسية ما تزال حية”. تنبأ أن “البحث سيكون له أهمية كبيرة في تاريخ المدن في العالم العربي في الحدّ من التصدعات المتعددة التي يعانيها مخيال سكان المدينة، فعندما يعيد نادر سراج بناء هذا الماضي المشترك بهذه الطريقة الرائعة فإنه يشيد من أجل سكان بيروت مكانًا للذكرى الإنسانية التي تلامس وجدانهم