إذا كانت الأجواء تشير الى أن يتولى النائب الأول وسيم منصوري مهام حاكم مصرف لبنان بدعم كلي من النواب الثلاثة الآخرين ، ولو أن هناك اختلافا في الآراء وتباينا في وجهات النظر ” شو عدا ما بدا” فجأة ليصدر نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة بيانا غير مسبوق يلوحون فيه، بل يهددون فيه بالفراغ الشامل في حاكمية مصرف لبنان عبر استقالاتهم الجماعية .
الخبيرة الإقتصادية الدكتورة سابين الكيك وفي حديث لموقعنا journalalire أكدت أن البيان المشترك الذي أصدره النواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان ولوحوا فيه باستقالة جماعية في حال عدم تعيين حاكم جديد قبل نهاية تموز الجاري يحمل أكثر من رسالة، الأولى: يحاولون التأثير على حكومة تصريف الأعمال لتعيين حاكم جديد، الرسالة الثانية : النواب الأربعة يتهيبون على ما يبدو الموقف ويعرفون صعوبة المهمة التي تنتظرهم بتحميلهم ” كرة النار” في ظل التباينات السياسية بين القوى السياسية حول ملف حاكمية مصرف لبنان.
واعتبرت أن خطوة التهديد بالإستقالة الجماعية هي خطوة غير محسوبة النتائج ومتسرعة مع ما يرتب على ذلك مسؤوليات قانونية، مؤكدة أن النص القانوني واضح والمادة 25 من قانون النقد والتسليف تتيح للنائب الآول للحاكم تولي مهام الحاكم لحين تعيين حاكم جديد، موضحة أن نواب الحاكم أمام تهرب شبه جماعي من المسؤولية مع قرب خروج سلامة من الحاكمية، مع التذكير أنهم أقسموا اليمين على أداء وظيفتهم بكل أمانة وهم مسؤولين اليوم أمام الرأي العام اللبناني في تأمين استمرارية المرفق العام.
وأضافت الكيك، مما لا شك فيه أن هناك إرباك سياسي، وخلافات كبيرة ما بين نواب الحاكم وسلامة على خلفية السياسات النقدية وتحديدا “منصة صيرفة ” التي تستنزف الدولارات وهي أداة غير قانونية ومع ذلك تقول الكيك، إن المصلحة العامة تقتضي أن لا يستقيلوا من مهامهم مشيرة الى ان نائب الحاكم الآول وسيم منصوري غير قادر على تحمل ثقل الواقع المالي والسياسي في لبنان وأكثر لا يملك الجرأة السياسية على فرض سياسات نقدية جديدة.
وعن تقرير صندوق النقد الدولي الأخير تقول الكيك، هو بلا شك تقرير طويل ومفصل بعد اختتام بعثة صندوق النقد الدولي مشاورات المادة الرابعة وتقييم الوضع الإقتصادي مشيرة الى ان التقرير جاء مختلفا هذه المرة واللافت أن الحكومة اللبنانية طلبت عدم نشره، لكن صندوق النقد أصرّ على نشره ، هو يرتكز على دراسات تحليلية معقمة للوضع النقدي القائم في البلد، أما النقطة الأساسية برأيها هي ” مرحلة إدارة الأزمة في لبنان” ليقول صندوق النقد بأن السلطة السياسية والمصرفية كما لو أنها غير معنية بالأزمة وأكثر من ذلك تتعامل معها وكأنها انتهت .
وأضافت الكيك : أن طريقة إدارة الأزمة منذ بدايتها في العام 2019 حتى العام 2023 خلقت حالة من الإرباك، تعددية في أسعار الصرف، أو المضاربة على الليرة اللبنانية، فضلا عن الفساد الذي ينخر في لبنان ويضرب عميقا في كيانات الدولة وإداراتها الرسمية “التي تشكل الحلقة الأساس في النهوض بالدولة ” مؤكدة أن ما كشفه الصندوق عن شبه عجز الدولة في توفير الخدمات حيث أن تدني الإيرادات وغياب التمويل سيزيدان من الضغط على النفقات وستزداد الأوضاع الإجتماعية هشاشة بمرور الوقت .
ويرى الصندوق في تقريره أن الحلول التي كانت مطروحة في العام 2019 لم تعد ممكنة إزاء الأزمة العميقة متعددة الأبعاد التي تواجه لبنان متخوفة من أن يتمدد نطاقها الى عمق الدولة ما سيزيد من صعوبة إيجاد الحلول.
وأشارت الكيك، أن مقاربة صندوق النقد لأموال المودعين مبنية على ما يقدم لصندوق النقد من أرقام، متحدثة عن شق تقني ورد في التقرير يتعلق بعملية إعادة هيكلة المصارف من خلال درس حالة كل مصرف على حدة وتحديد حجم أمواله الخاصة ومدى قدرته على الإستمرار وكما هو معلوم نصّ الإتفاق المبدئي مع صندوق النقد من الناحية التقنية على هذا الأمر بالتالي لن تكون معالجة أموال المودعين موحدة ومقاربات واحدة.
ويرى صندوق النقد أن الأزمة الإقتصادية التي ضربت لبنان بقوة في العام 2019 خلقت أزمة جديدة والأسباب التي أنتجتها سياسات مصرف لبنان التي تقاطعت مع سوء إدارة الأزمة وحلول الدولة الترقيعية، يعني أننا أصبحنا في مرحلة متقدمة من الأزمة ومضت تقول الكيك، أن صندوق النقد يحذر من تفاقم الأزمة المالية بسبب الفساد وتأخير الإصلاحات وأن ” استمرار الوضع الراهن يمثل الخطر الأكبر ” .
وفي المشهد الميكرو -إقتصادي ، البلد في إنهيار شبه تام، ويواجه إستنزافا خطيرا ووفق الكيك، رغم إستفحال الأزمة يأبى الشعب اللبناني الإستسلام للوضع الراهن بل يواجهها بما لديه من أجل تصحيح ما يلزم،
وبالنسبة لصندوق النقد، ” الأمور أصبحت مكشوفة” وان عدم المباشرة بإجراء الإصلاحات يكلف خسائر جسيمة إضافية على الإقتصاد الوطني ، إذ يتحدث عن استمرار النزف في احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية نتيجة صيرفة التي تحولت الى باب للتنفيعات ولأطراف محددة في مقدمها المصارف والصرافين والى قناة شبه حصرية لعمليات المضاربة باعتراف البنك الدولي وصندوق النقد .
وأكدت الكيك، أن الخروج من الأزمة ينطوي قبل كل شيء على نهج جديد وانتخاب رئيس للجمهورية والرهان على ذلك بما يشبه ” القمار” في هذه المرحلة ، وتضيف لبنان اليوم بحاجة الى ذهنية جديدة في التعاطي، وعلى كل فرد أن يساهم في بناء الوطن وبرأي أن كل لبناني مستعد تحمل بعض الإجراءات التصحيحية الموجعة اذا كان هناك فريق منزه عن الفساد يوحي بالثقة في الداخل والخارج ” كالمجتمع الدولي ودول الخليج ” مشيرة الى ان هناك تلازم مصير ومسار ما بين صندوق النقد الدولي ودول الخليج لمساعدة لبنان.
لبنان اليوم لا يملك لا ترف الوقت ولا ترف الخيارات، وتقول، يوحي سلوك بعض اللبنانيين بأنها تدفع باتجاه التطبيع مع الأزمة الإقتصادية من خلال أدوات السوق والمعالجات الترقيعية بعيدة عن المقاربات العلمية والتصحيحية والإصلاحية إذ أن محاولة التطبيع مع الواقع أمر مؤسف للغاية.
وختمت بالإشارة الى اقرب أزمة قد نشهدها بعد رحيل سلامة هي ” مصير منصة صيرفة ” وفيها تجاوز للنصوص القانونية وهي تعمل بأدوات مخفية وغير مشروعة حتى أن وزارة الخزانة الأميركية عندما فرضت عقوبات على شركة حسن مقلد أشارت بشكل واضح وصريح الى كمية الأرباح والمضاربات التي جنتها الشركة في تعاملها مع المصرف المركزي.