إيذاناً مع بداية دخول المرء خضم سن الخمسين عاماً تتوسع حدقة بصره و عدسة بصيرته لتستكشف و تكتشف خبايا و خفايا هذه المرحلة الجديدة و المحطة الفريدة من مشوار حياته و قطار ذكرياته ، و لا يخفى إطلاقاً عن ذهن كل عاقل بأن هناك ثمة شكل أسلوب مختلف و طريقة جديدة في فن التعاطي مع كينونة الذات و أركان المحيط بلغة حياة لها حروفها و وقع كلماتها المُغايرة لكل ما سبق المرور فيه و الخوض به ، و يمكن إيجاز بعض النصائح الذهبية كتصريح قبول و مفاتيح دخول هذا العمر الخمسيني الغامض و كذلك المجهول عند الإنسان و سردها بما يلي :
– اللجوء إلى بعض أوجه الحياة الصحية المثالية ، و المواظبة الجادة على ممارسة أشكال الرياضات البدنية التقليدية و غير العنيفة .
– الابتعاد التام عن منابع التوتر و الغضب مهما كان السبب ، مع أهمية وجوب عدم الاكتراث لأي مصدر توتر من أي مصدر كان قريب أم بعيد .
– المحافظة الدائمة على عناصر الأناقة و النظافة الشخصية و المظهر الجميل و الخُلق الحسن لتبقى صورة الإنسان المميزة مطبوعة في الأذهان و محفورة في القلوب .
– السخاء على النفس في صرف المال إلى حد مقبول و التمتع بشراء الأفضل دوماً و التخفيف من فكرة التوفير و الاقتصاد التي سادت في سنوات الحياة الماضية .
– الالتزام بمقولة : أجب كل من دعاك ، فالمرء في حاجة للتواصل و الاتصال و الزيارات و اللقاءات مع الأتارب و الأصدقاء و الأقارب و الأوفياء ، مع ضرورة عدم التخلف عن الاجتماع بهم لمدة طويلة .
– محاولة عدم الاختلاف كثيراً و التصادم طويلاً مع شريحة جيل الشباب فأفكارهم و أحلامهم و آمالهم مشروعة و هم فى مُقتبل العمر ، و على المرء الخمسيني عدم التباهي كثيراً بذكريات الزمن القديم و الجميل أمامهم ، فالزمان الحقيقي هو فعلياً لحظات الآن .
– التعود على الإنصات كثيراً قبل أخذ زمام المبادرة في الكلام ، و لعله من الضروري الاختصار و الإيجاز في نمط الحديث و عدم الإبحار و الاستفاضة في تذكر كل ما مضى و فات و كذلك التحسب في إحراج أياً كان مهما كان عمره و شأنه .
– الفراغ مرض قاتل و داء مستفحل و شبح مخيف ، و لذلك يتوجب على المرء ابتكار عادات يومية و طقوس تعبدية و برامج حياتية تكسر الروتين و تخفف الأنين من قساوة الأيام و ظلم السنين .
– التبرك و التحلي بمقولة عبارة الحمد لله قولاً و فعلاً في كل وقت و حين ، ففي خضم تلافيف هذه المرحلة العُمرية تكثر الشكوى و تظهر الأمراض و تزداد الآلام نوعاً ما ، و تكون عندها الدعوات لله فقط لله وحده و التقرب إليه بالصلاة و الزكاة .
– اعتقاداً و استبشاراً بمقولة ( إذا أحب الله عبده أراه مُلكه ) ، فإن السفر و كذلك الاستكشاف داخلياً و خارجياً يُبهج النفس و يُغني العقل و يُوسع المدارك و يُجدد حيوية الإنسان و يرسم بسمة وجهه بكل صدق و عفوية .
مع بياض الشعر و ظهور التجاعيد و تغير عموم الملامح و طغيان لغة الصمت و التأمل يبقى عمر الخمسينيات يُجسد مقياساً للاتزان النفسي و الوجد الأخلاقي و السلوك الاجتماعي و يخط بقلم الحياة عبق تاريخ و ألوان ذكرى كل ما قد فات و أمنيات عافية و محطات سرور و توفيق ما هو آت .
د. بشار عيسى / سورية