كتب : يحيى أحمد الكعكي
فنحن حينما نتحدث عن الحنان نعني بذلك “الأم” وحينما نتحدث عن الأمان والعطاء نقصد “الأب”، فهما من أعظم النِعم التي أنعم الله تعالى علينا بها في هذه الدنيا، فلولا وجودهما ورعايتهما وتضحياتهما لما كنا هنا..
لهذا أقدم لهما كل يوم، وليس في ٢١ آذار/ مارس – يوم الأم -، وليس في ٢١ حزيران/ يونيه – يوم الأب في معظم الأقطار العربية ، ما عدا ؛ فلسطين – سوريا – اليمن – موريتانيا – السودان – جيبوتي – الصومال ؛وهو اليوم الأطول في العام وبداية فصل الصيف الدافئ- أقدم لهما أجمل العبارات ، وهما اللذين مهما قلت عن فيهما من عبارات الوفاء.، ومهما كتبت عنهما ، لن أوفي حقهما عليَّ .
فإذا كان “ليس في العالم وسادة أنعم من حضن الأم” كما وصف ذلك الفيلسوف والأديب البريطاني والعالمي “وليم شكسبير” (١٥٦٤- ١٦١٦)، فـ ”ليس هناك مكان ينام فيه الطفل بأمان إلاّ غرفة أبيه” كما أكد على ذلك الفيلسوف الالماني “فريدريك نوفاليس” (١٧٧٢- ١٨٠١).
وإذا كان الشاعر العربي المعاصر الغني عن التعريف “نزار قباني” (١٩٢٣- ١٩٩٨) قد وصف “الأم” بأن “لا عطر يُضاهي عطرها، ولو اعتصرت فرنسا في قنينة عطر” (وقصد فرنسا بالذات لأنها الأولى عالميًا في شهرتها بصنع العطور الحديثة).
فإنّ “عطر الأب” كـ”عطر الأم”.. فهو الأجمل، ويكمل ذلك برأيي “رائحة أبي في ملابسي حينما كنت أضمه ويضمني، لأنه كأمي أروع ملاك يحضنني”.
وإذا كان “وراء كل رجل عظيم إمرأة عظيمة” وهو قول يُنسب إلى الأمبراطور الفرنسي الأشهر “نابليوني بونابرته” -أو كما متعارف عليه “نابليون بونابرت” (١٧٦٩- ١٨٢١).
فأنا أميل الى التأكيد على أنّ “وراء كل عظيم.. أم وأب عظيمان”.
وإذا كانت كلمة “أمي” هي “التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف” كما حلّلها الفيلسوف اللبناني والعالمي “جبران خليل جبران” (١٨٨٣- ١٩٣١)، فإنّ كلمة “أبي” هي القوة في الأخذ بيدي الى التعرّف على دروب الحياة خصوصًا في بدايتها، فقلبك يا أبي لم يكن يغفو، إلاّ بعد أن تغفو جميع القلوب في بيتنا. وهو قول استوحيته من القول: “لا يغفو قلب الأب، إلاّ بعد أن تغفو جميع القلوب” للسياسي الفرنسي الشهير “أرماندو جان دوبلاسيس دو ريشيليو” (١٥٨٥- ١٦٤٢)، وهو أول رئيس وزراء في التاريخ، وتولى هذا المنصب في عهد “لويس الثالث عشر” في فرنسا.
وكلمة “الأب الطيّب” التي تحتفل معظم الأقطار العربية بـ”يوم تكريمه” الثلاثاء في ٢١ حزيران/ يونيه، والذي يرمز الى “البر والإحسان”، كما يرمز الى هذا “البر والإحسان” يوم “الأم الطيبة” في ٢١ آذار/ مارس. فهما مناسبتان يُعبّر بهم الأبناء عن برّهم بوالديهما…يقول الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمهُمَا كَمَا رَبَّيَاني صَغِيرًا} [سورة الإسراء/ ٢٤].
وكلمة الأب، كلمة عظيمة في معناها ومضمونها الطويل الأمد في العطاء، وكبيرة المكانة، وإن تكن قصيرة بأحرفها، لأنّ “الأب” هو المربي، وهو الطبيب، وهو السور الحامي، وهو الدفء في الشتاء والفرح في الربيع،فـ”قلب الأب هو هِبَة الله الرائعة” كما وصفها المؤلف والروائي الفرنسي “انطوان فرنسوا بريفو” (١٦٩٧- ١٧٦٧)، فـ”أب واحد خير من عشرة مربين” كما أكّد على ذلك أبو الديموقراطية الغربية المعاصرة الفيلسوف السياسي الفرنسي “جان جاك روسو” (١٧٢٠- ١٧٧٨).
إنّه “الأب وهو الوحيد الذي لا يحسد ابنه على موهبته” كنا أكَّد على ذاك أشهر أدباء ألمانيا “يوهان غوته” (١٧٤٩- ١٨٣٢)، لأنّ “الأب هو الذي يخفي أخطاء ابنه” كما أوضح ذلك أول فيلسوف صيني “كونفوشيوس” (٥٥١ ق.م- ٤٧٩ ق.م).
“أبي” رحمك الله تعالى وأسكنك فسيح جناته ، وأنت الذي لن ترجع أبدًا، ولن يتأتى مثلك أحد ، أهديك هذه الكلمات، كما أهديت “أمي” رحمها الله تعالى وأسكنها فسيح جناته ، التي لن ترجع أبدًا، ولن يتأتى مثلها أحد، في “يوم تكريمها العربي”.
وأختم كما بدأت: إذا كانت “الأمومة” هي الحنان، فـ”الأبوّة” هي الأمان .