اعداد عمر الناطور
توجهت الانظار في عطلة الاسبوع الى الاسواق المالية والنقدية لمتابعة المستجدات في سوق صرف الدولارالسوداء ، بعدما وجّه المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، كتاباً الى النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، طلب فيه تسطير استنبات قضائية فورية إلى أفراد الضابطة العدلية كافةً (قوى الأمن الداخلي- الأمن العام -أمن الدولة -جمارك -مخابرات الجيش)، بغية إجراء التعقّبات والتحقيقات الأولية كافةً والعمل على توقيف الصرّافين والمضاربين على العملة الوطنية والتسبّب بانهيارها، واقتيادهم مخفورين إلى دائرة النيابة العامة المالية لإجراء المقتضى القانوني وإفادته بالنتيجة بالسرعة الممكنة .
وهذا ما حصل اذ في الوقت الذي كان الجميع يتابع اخبار العاصفة “فرح” التي ضربت سواحل لبنان وجباله ، كان فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي يداهم اوكار كبار المضاربين في السوق السوداء وتوقيفهم ، وخلال ساعات انقلبَ مشهدُ السوق رأساً على عقب، “المضاربجيّة” الكبار اختفوا، ومجموعات “واتساب” الخاصة بالصرافين أُغلقت بشكلٍ مفاجئ وبات الكثير فيها غير قادرين على التّداول. كذلك، تبيّن أنّ بعض المضاربين الكبار دخلوا في إشكالاتٍ كبرى في ما بينهم، في حين أنّ صرافين هددوا بفضحِ بعضهم البعض ، وبشكلٍ أو بآخر، فإنّ ما جرى كان بمثابة “يوم اسود ” بالنسبة للعصابات المتحكمة بسعر الدولار ، فالتوقيفات التي طالت “كبيرهم” المدعو “علي النمر” لم يكن وقعها سهلاً عليهم. فالنمر، تحوّل فجأة إلى موقوفٍ لدى شعبة المعلومات، في حين غاب كثيرون مثله عن الأنظار. وتزامناً مع ذلك، كانت العيون الأمنية ترصد الصرافين في مختلف المناطق، فتلاحقهم وتوقفهم في مطارداتٍ تؤكّد أن هناك شيئاً ما يُحضّر في سوق الدولار الذي بات الآن خارجاً عن سيطرة اللاعبين الكبار فيه، باستثناء الجهة الرسمية المتمثلة بمصرف لبنان والشركات الكبرى التي ما زالت تنشط في السوق عبر وكلاء لها او الجهات الاقليمية المتخفية .
مصادر ناشطة في سوق الدولار اكدت إنّ ما حصل لم يكن متوقعاً بهذا الحجم، فالأمور حصلت فجأة لكنّ مقدماتها بدأت منذ ان وجه عويدات كتابه الى النيابة العامة المالية وامتدت حتى مطلع الاسبوع ، والآن أصبح كبار الصرافين قيد الملاحقة، فيما غابت السطوة الفعلية للمضاربين المحوريين، والمشكلة الآن ليست هنا بل تتحدد في ما إذا كانت هناك جهاتٌ أخرى ستظهر إلى الواجهة وتمارس المضاربات كما يحلو لها”.
ووفقاً لمصادر مطلعة على اوضاع السوق فإنّ الصراع الأكبر الان هو بين كبار الصرافين والذي انحصر
بين 3 أطراف أساسية وهي “ع.ح.” من جهة و “م.ب.” و “ع.ن.” من جهةٍ أخرى. وبحسب المعطيات، فإن التهديدات بدأت بين “المضاربجية” الثلاثة، فتنامى الصراع في ما بينهم، حتى وصل الأمر إلى “فضح” الكثير مما كانوا يفعلونه في السوق. حقاً، الأمرُ شكل فضيحةً كُبرى بكل المقاييس، وما يجري الآن هو غيض من فيض، إذ تقول المعلومات أن عمليات التوقيف ستتصاعد وقد تشملُ أسماء أخرى فُضِحَ أمرها مثل “ح.م.” و “ع.ح.”. وحالياً، فقد تبين أيضاً أن هناك صرافين كبار سقطوا في الجنوب من بينهم “ح.خ.” الملقب بـ”حسيسون” ومساعده م.ب في الصرفند، في حين أن البحث مستمر عن “م.ح.” و “م.ش.”. أما في صيدا، فقد واصلت شعبة المعلومات حملتها ضدّ الصرافين، وتبين أنّ عدد الموقوفين حتى يوم الاحد بلغ 11 شخصاً ضمن المدينة.
وسط كل ما يجري، فإنّ المشهديّة التي سيطرت على السوق السوداء لم تأتِ من فراغ، فالتوقيفات حصلت بناء لـ”قبّة باط” سياسية أولاً، وتقول المصادر أن “العديد من المرجعيات كانت حاسمة في قرارها مراراً وتكراراً في عدم تغطية أي جهةٍ تتلاعب بسعر الدولار”. وإزاء ذلك، حصلت جملة التوقيفات، لكنّ الأمر الأهم لا ينحصرُ هنا بل يرتبطُ بما قد يجري لاحقاً بين الصرافين. وهنا، تتخوّف مصادر ناشطة في القطاع المالي من حدوث “تصفيات” لصرافين كبار، وذلك من أجلِ إخفاء “أسرارٍ” كثيرة يمكن أن تؤدي إلى توريط أسماءٍ كبيرة في عمليات المضاربة. إضافة إلى ذلك، فإنّ هناك مخاوف من حصول “ردّة فعلٍ” على الصعيد الأمني من قبل المضاربين والتجار الكبار، باعتبار أن بعضهم لديهم عناصر مسلحة قد تساهم في توتير الوضع والأجواء لاسيما في المناطق الحساسة والتي تعتبرُ مرتعاً لكبار المضاربين في منطقة الشياح وأطراف عين الرمانة، صيدا، صور وطرابلس وشتورة والبقاع.
لكن بعض الخبراء يعتقدون أن “العملية ليست لها أية أسس علمية لا بل قد تكون أحجية بالنسبة الى بعض خبراء المال والاقتصاد الذين لطالما رددوا أن السوق السوداء المتمثلة بالتطبيقات وغروبات الواتساب هي السوق الحقيقية التي تجسد سعر الصرف الحقيقي ، اليوم وبعد تحرك الأجهزة الرسمية وإثارة الموضوع في الاعلام، بات واضحاً أن تسعير الدولار عبر هذه التطبيقات وغروبات الواتساب له خلفيات سياسية وأهداف ربحية ولا تخضع العملية لأي معادلة إيكونوميترية أو إحصائية أو حتى لأي طريقة لها وجه علمي”.
وعن إمكان إستقرار سعر الصرف في الأيام المقبلة، يرى الخبراء انه لا يمكن الركون الى أي إحتمال أو توجه في ظل إستمرار عمل السوق السوداء سواءً عبر التطبيقات السوداء أو عبر أسواق المضاربة كأسواق الكشف والمقامرة، إذ لا يمكن لسوق لا تعتمد أسساً علمية وموضوعية أن تنتج معادلة سليمة ونتائج مقبولة. فالتعويل اليوم هو على تمكن الأجهزة من تنقية سوق القطع والتخلص من أدوات السواد فيها، وهذه عملية تبدو صعبة جداً بعد تحول النظام المتبع في لبنان الى نظام عمل نقدي خارج عن أية ضوابط أو أصول للرقابة والضبط”.
إذاً، ما يُمكن قوله هو أنّ الصورة حتى الآن ما زالت ضبابيّة، ويبقى الإنتظار: هل ستكون هناك قرارات فاعلة لاحقاً بعد عملية ضرب “المضاربجية”؟ الأمرُ هذا لا يمكن حسمه، وأقل ما يقال هو أن التعامل مع سوق الدولار سيكون حُكماً وفق قاعدة سائدة وهي: “كل يوم بيومه”. أما في ما خصّ التعاميم المرتقبة من مصرف لبنان، فقد تكون مفاجئة في أي لحظة ومن الممكن أن يطولُ ظهورها..
في ظل هذه التطورات المتسارعة يتساءل البعض كيف سيكون الوضع في السوق خلال الايام المقبلة ، وهل ستكون هذه الحملة الامنية كافية للقضاء على السوق السوداء ، وماذا عن العصابات التي تعمل لحساب النظام السوري والحرس الثوري الايراني ، هذه الاسئلة طرحت على خبراء متابعين لحركة ىلاسواق :
الخبير المصرفي والاقتصادي الدكتور جو سروع اعتبر ان لبنان يعاني اليوم من فوضى شاملة وعارمة في كل ما له علاقة بشؤون البلاد والعباد على الصعيدين العام والخاص وتغذي هذه الفوضى وتشعلها باقة من الاسواق السوداء وتشمل على سبيل المثال وليس الحصر سوق العملات وسوق الدواء والمحروقات والطحين والمواد الغذائية في الداخل اللبناني ومنه ومن خلال شبكة متكاملة الى الخارج ، وقد تم التعامل مع هذه الفوضى الخماسية الابعاد في حدود مهام مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة التي تؤخر ولا تقدم نظراً للنقص في عناصرها البشرية وعدم جدوى وفاعلية العقاب وعدا عن هذا لم تعير السلطة التنفيذية حتى الان اي اهتمام او تطبيق فعال للتعامل مع هذه الفوضى التي يتم ترسيخ جذورها كل يوم ان لم يكن كل ساعة مما يفاقم هذه الفوضى ويصعب من عملية اقتلاعها وابعاد مخاطرها الاقتصاد الوطني وبشكل خاص سوق العملات السوداء الذي هو المكون الناري لهذه الفوضى ، لقد حذرنا منذ سنة 2019 من ان هذه السوق المنظمة وغير المنتظمة والمحمية والتي لها امتداد اقليمي منظم وعرضها وعمقها اكثر بكثير مما يظن البعض ، وبالتالي فأن خطرها على الامن القومي ماثل وحقيقي اذ ان السبيل الاسرع لانهيار بلد هو انهيار عملته وهناك امثلة عديدة لهذا الامر لا داعي لتكررها اليوم اردت ابراز هذه السوق لاهميتها العملية والعملانية من جهة وكونها الصانع الاساسي والفعلي للسياسة النقدية وللدلالة ان اي تدبير او اجراء من الذي يطال الصرافين لن يحقق اهدافه ولن يتعدى كونه استعراضاً اذ ان رعاة هذه السوق وحاميها في موقع اخر والبدائل حاضرة وجاهزة للمحافظة على فاعلية هذه السوق والدليل على ما سبق من قرارات استهدفت الصرافين وادخل بعضهم الى السجن ثم خرجوا من دون ان نعلم كيف ولماذا ، وباعتقادي ان القرار قد اثر سلباً اذ ساهم في في ارتفاع السوق وليس انزاله ولا نعرف اليوم وبعد المداهمات التي حصلت كيف سيكون الوضع ، لان ما آلت اليه اوضاع البلد من انهيار اقتصادي ومالي واجتماعي تجاوز كل الخطوط الحمر في ظل هذه الفوضى وفي ظل انعدام الوزن للسلطة التنفيذية وتأكل المؤسسات واسباحة حقوق البلاد والعباد في برج اين منه برج بابل وفي كلاهما في الشق الاخر المظلم من الدولة التي اصبحت دويلة ، لذلك اي تدوير من اصلاح جدي والآتي من خارج هذه السلطة التي اوصلت البلد عمداً عما هو عليه اليوم يبقى ساذجاً ويزيد الاهانة لعقول الناس على الاذى والاوجاع المتعدة الجوانب في حياتهم .
وبرأيي ان مشكلة العملة الوطنية وسعر الصرف يكمن في البداية بقرار سياسي يعيد السيادة للدولة على كافة الامور الاقتصادية بما فيها تجفيف السوق السوداء واعادة السياسة النقدية الى مصرف لبنان في كل مفاصلها اي سعر الصرف وسعر الفوائد الدائنة والمدينة في المصارف وادارة التضخم وهناك امور عديدة تتعلق بتفاصيل اعادة حقيقية لهيكلة القطاع المصرفي بما فيه عدم تضارب المصالح وفصل الواجبات عن المسؤوليات واسترجاع الثقة بالدولة اولاً والتي هي الاساس ثم بالقطاع واعادة هيكلة للمصرف المركزي ليتكامل دوره مع القطاع المصرفي لدعم النمو الوطني على اسس ثابتة وصلبة ومستدامة .
اما رئيس تجمع رجال وسيدات الاعمال الدوليين الدكتور فؤاد زمكحل فيعتقد “ان السوق السوداء لاتحل بالملاحقات في ظل ارباح ضخمة وتقلبات سريعة مابين الالف والخمسة الاف ليرة في اليوم والسوق السوداء لاتتوقف لان اي شخص يملك سيولة نقدية بالدولار او الليرة بات يعمل في السوق السوداء وطبعا هناك محركين كبار لهذه السوق والقبض عليهم لن يتم بسهولة فأي شخص عنده متجر للخضار او المواد الغذائية بات يعمل بالصيرفة ، اليوم لسؤ الحظ وصلنا الى مكان لم يعد بامكاننا ان نلتقط الليرة ، واذا استمر هذا الفلتان فصعود الدولار سيستمر، لان الطلب عليه اكثر بكثير من المتوفرة في السوق وبلغة الارقام الناتج المحلي يتراوح بين 20و25 مليار دولار انخفاضاً من 55 مليار دولار عام 2018 والسيولة الموجودة هي بحدود 10 مليارات ونحمد الله عندنا تحويلات من الخارج بنحو 7 مليارات دولار وهناك نحو 3 مليارت دولار تدخل خارج الالية المعهودة ، لذلك البلد بحاجة الى نحو 10 مليارات اخرى لنصل الى 25 مليار دولار ، والحل المطلوب هو ان نسرع المفاوضات حتى نغطي الفارق او ان السوق السوداء هي التي ستغطي شئنا ام ابينا نحن نتجه نحو اقتصاد مدولر بامتياز واذا بيقيت الليرة كما هي فالسوق السوداء ستبقى والتقلبات الحاصلة في سعر الصرف سببها الارقام وقسم كبير ضغوطات سياسية وايادي سوداء تتلاعب بحياة اللبنانيين ولقد شهدنا حين كان هناك سيولة وضخ كبير للدولار ارتفع سعره بدلاً من ان ينخفض وحين بدأ العمل بمنصة صيرفة اواخر العام 2021 عوضاً ان ينخفض السعر ارتفع والنقطة الثانية التي تبرهن ان هناك تلاعب في موسم الصيف اي حين حضر نحو مليون و800 الف سائح وضخوا في السوق نحو 4 مليارات دولار استمر الدولار بالارتفاع ،الإنهيار المستمر، ليس له حدود ولا سقوف، والمعركة الحقيقية الراهنة هي كباش مُحتدم وحاد بين منصة «صيرفة»، التي بين يدي المصرف المركزي، والسوق السوداء والتي بين أيادي حيتان الصيرفة.
فهذه المعركة الحقيقية التي تحصل وراء الستارة، هي حول مَن سيُسيطر على سعر الصرف، ويمتلك اختلافاته، أكانت صعوداً أم نزولاً. فربح «المركزي» بعض الأشواط عندما رفع سعر منصّة صيرفة إلى 38 ألفاً مؤخراً، وسحب السيولة بالليرة اللبنانية، وضَخ بعض العملة الخضراء التي كان قد «ضَبّها» من السوق، في الأشهر الماضية. أما ردة الفعل فقد جاءت سريعة وقاسية، من خلال الأيادي السود، والمنصّات الإلكترونية الوهمية، والتي أعادت الفجوة وسحبت السوق السوداء إلى آفاق مرتفعة. فكل من الخصوم يستعمل أسلحته المدمّرة للسيطرة على السوق، ويكون الآمر الأكبر والأهم، وصانع القرار الرئيسي في هذه اللعبة الخطرة ، وهذا الكباش يدفع ثمنه الاقتصاد الوطني والشعب اللبناني الذي فقد مدخوله ومستمر في الخسارة ، هذه هي المرحلة التي نعيشها واكيد هناك تدخلات خارجية تسعى لتدمير لبنان وهو يعمل عن طريق التلاعب بسعر الصرف لدفع الشارع الى الفوضى .
اما لناحية العقوبات الاميركية اليوم مهما كانت التحويلات السلطات الدولية الكبيربطريقة بسيطة بأمكانها معرفة كل التحويلات الكبيرة والمهربين لها ، فكيف هو الامر بعد ان تحولنا من اقتصاد مراقب الى اقتصاد “الكاش” الذي هو خطر على اي دولة في العالم لانه لايجذب الاستثمارات كما كان وضعنا في السابق بل يجذب مهربي ومبيضي الاموال وممولي الارهاب ، الانظار اليوم كلها على لبنان وانا متخوف ان يكون هناك عقوبات اكثر لان اقتصاد “الكاش” يحمس المهربين والساعين لتبيض الاموال خصوصا ان الانظار الدولية حول التحويلات ومراقبتها واتمنى ان لانصل الى مرحلة تخضع المصارف وعملياتها مع المصارف المراسلة.