يتسم العصر الراهن بعدد كبير من صور الظواهر التي لها تأثيرها الواضح على شكل الصحة النفسية للإنسان فالانتقال السريع من وضع إلى آخر أدى ببعض البشر إلى الاضطراب النفسي الذي وصل إلى حد المرض في بعض الحالات ، و من الشائع عند الناس بأن حالات القلق هي نتاج مفرزات الوقت الحالي و الأوضاع الراهنة مع أنها كانت شائعة منذ فجر التاريخ و حتى يومنا هذا ، و يحلو للكثير من الأدباء و الشعراء وصف هذا العصر بأنه عصر القلق و لكن الحقائق التاريخية تبين بأن القلق و ما يرتبط به من مفاهيم كالخوف و التوجس و الهم و التفكير أشياء سادت أفكار الناس و سيطرت على مشاعرهم و توغلت في محاكاتهم في مختلف محطات حياتهم .
القلق حقيقة أبدية و شرط أساسي من شروط الوجود الإنساني و يصيب الناس على مختلف ألوانهم و مشاربهم و يترك تغيرات عديدة على الجسم و وظائفه و السلوك و انعكاساته ، و تتفاوت غالبية المجتمعات الإنسانية المعاصرة فيما بينها من حيث درجة الاضطرابات الانفعالية و الضغوط النفسية و كذلك معدلات القلق المتزايدة في بعض المجتمعات الفقيرة و النامية بسبب الضغوط التي تُولدها ظروف التكيف مع الواقع الاقتصادي القاسي ، كما أن نسبة القلق تتناقص بشكل ملفت جداً في المجتمعات التي تُشجع على الرأي الحر و التعبير الصحيح و النقاش الصريح و تتزايد في الأوساط التي تحد فعلاً من نمو الأفراد النفسي و العقلي المُصاحب لشيوع موجة ملفتة من مظاهر و أشكال التوتر و العصبية و التقلب الانفعالي و التطرف ﻭ الانزعاج ، فضلاً عن تزايد بعض مشكلات جسم الإنسان الداخلية المُرتبطة بصعوبة النوم المريح و الأرق و خفقان القلب و الآلام العضلية المختلفة و المتفرقة .
لا شك بأن مجمل العلاقات الاجتماعية تدفع للمجاراة على المستويات الاجتماعية و المهنية المختلفة بدءاً من حلقة الأسرة بتشجيعها على حسن طاعة الأبوين وصولاً لميدان العمل بالتحفيز على جدية الالتزام بقواعد التسلسل الوظيفي و انتهاء بالنظم الاجتماعية و الثقافية العامة التي تأخذ غالباً وصفاً مُغايراً لحرية التعبير الفردية و من شأن كل ذلك استثارة كثيراً من جوانب الصراع النفسي و خصوصاً عامل القلق ، و الانطلاق بجدية بالغة نحو الإصلاح التربوي السليم و الصحي المثالي لتحفيز القلق المحمود بُغية مواجهة ما تطرحه الحياة من مشكلات معقدة و مفاجآت قاسية و أحداث مؤلمة .
د. بشار عيسى / سوريا