١٩١٨/١/١٥ تاريخ لا يُنسى وباقٍ في العقول والقلوب للملايين من العرب ومواطني “العالم الثالث”، إنه تاريخ ميلاد الزعيم “جمال عبدالناصر”الخالد الذكر، أو ميلاد ” عهد الكرامة العربي” الذي غيّر مع ثورة ٢٣ يوليو/ تموز ١٩٥٢ وجه “مصر”، ووجه “الأمة العربية”، و”القارة السمراء”، وأحدث في هذه الدوائر الثلاث تحوّلًا عميقًا على نحو جذري، حيث أمّن مستقبل مصر والأمة العربية ليكونوا بعظمة ومجد ماضيهم، ودعّم قدراتهم على مواصلة مسيرة “البقاء والإنماء” بقرارهم السيادي الوطني.
كما مهّد هذا العهد بفلسفة ” إرفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد”، و “الحياد الإيجابي” لقرار “تصفية الإستعمار” والذي أُقر في ١٩٦٠/١٠/١٤ في هيئة الأمم المتحدة، لتصبح بعده “القارة السمراء” محرّرة من الإستعمار القديم “البريطاني – الفرنسي – البلجيكي وغيرها من الدول الاوروبية”، ولقد كرّمت “قارة المستقبل” الزعيم ناصر” بانتخابه بالإجماع أول رئيس لـ”منظمة الوحدة الافريقية” ما بين ١٩٦٤/٧/١٧ إلى ١٩٦٥/١٠/٢١، وهي التي أصبح اسمها منذ عام ٢٠٠٢ “الاتحاد الافريقي”.
لقد نجح “الزعيم ناصر” في بناء :عهد الكرامة” في التاريخ المصري المعاصر، الذي غيّر وجه الحياة في مصر على نحو جذري، بتقديم هذا العهد لشعب مصر العديد من الإنجازات الضخمة بعد إنهائه الإحتلال البريطاني، والقضاء على الإستعمار وأعوانه في الداخل وذلك، في مجالات الاصلاح الزراعي، والثورة الصناعية، وبناء جيش وطني قوي، وتأميمه ل”قناة السويس”١٩٥٦ لتصبح “القناة لمصر” بعدما كانت “مصر للقناة”.
كما بنى ” عهد الكرامة” أهم مشروع حياتي لكل المصريين حتى الآن وهو “السد العالي” ليؤكّد هذا السد الوطني على أنّ “مصر” ليست “هبة النيل” فقط كما حفظ التاريخ ذلك عن المؤرخ اليوناني الشهير “هيرودوت” [حوالى ٤٨٤ق.م- ٤٢٥ق.م] بل انّ النيل “هبة المصريين”.
كما أكّد “عهد الكرامة” على أرض الواقع مع “جمال عبدالناصر”، مبدأ “مصر التاريخ” الحياتي: “الدين لله والوطن للجميع” -وهو الذي كان شعار ثورة الشعب المصري في ١٩١٩/٣/٨ صد الإحتلال البريطاني، التي قادها ابن الأزهر الشريف “سعد زغلول” والتي تعانق فيها “الهلال مع الصليب”- راسمًا فيها ومعها إطار الدولة الوطنية المصرية -دولة القانون والمواطنة- التي لا يزال فيها المصريون “متعدّدون في الدين ومتحدين في المواطنة” -أو رمز العيش المشترك الحقيقي- ،وقد أشار “بابا الڤاتيكان” -فرنسيس- بهذا المبدأ الحياتي حينما زار مصر في ٢٠١٧/٤/٢٨ قائلًا للمصريين: “لديكم مبدأ عظيم، المنطقة بأثرها متعطّشة له، فرووا عطشها بتصديره لها”.
وباختصار، لقد استطاع “الزعيم ناصر” في “عهد الكرامة” – من ١٩٥٢/٧/٢٣ حتى ١٩٧٠/٩/٢٨- إحداث تحولًا عميقًا في تاريخ مصر المعاصر، أنهى به مرحلة.. ومهّد الطريق أمام مرحلة جديدة دعّمت من قدرات “مصر التاريخ”، على مواصلة مسيرة “البقاء والإنماء” بقرارها السيادي الوطني في دوائر أربع “الدائرة العربية- الدائرة الأفريقية- الدائرة الإسلامية- دائرة تجمع دول عدم الإنحياز”.
ولقد كان “الزعيم ناصر” صادقًا مع نفسه، ومع فلسفته، ومع إيمانه بالدور الذي تستطيع مصر أن تقوم به في محيطها العربي اولًا، ثم في محيطها الأفريقي ثانيًا، ثم في محيطها الإسلامي ثالثًا، ثم في تجمع دول عدم الإنحياز رابعًا، ثم في المحيط العالمي خامسًا.
لذلك تجاوز تأثير “عهد الكرامة” نطاق مصر والوطن العربي ليصبح رمزًا لنضال شعوب عديدة في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، كانت تكافح من أجل استقلالها الوطني.. وتتوق إلى غدٍ جديد يصون عزتها وكرامتها.. حتى تحقّقت أحلامها مع هذا العهد ، وكان ذلك إيذانًا ببدء حقبة جديدة في التاريخ الإنساني المعاصر، وولادة “العالم الثالث” ١٩٥٩- ١٩٦٠.
بعدما شهد العالم انكسار موجة الإستعمار التي بدأت منذ انعقاد “مؤتمر باندونغ” ١٩٥٥ -عاصمة جاوة الغربية بأندونيسيا- والذي أسس لمبدأ “الحياد الإيجابي”، والذي كان قد سبقه ظهور مصطلح “التعايش السلمي” ١٩٥٤ في اجتماع الدول الثلاث ” مصر – الهند – الصين الشعبية”.
وقد بلّور “مؤتمر باندونغ” الفكرة التي حملتها مصر وهي “القضاء على الإستعمار” -أو تصفية الإستعمار- لقهر “التمييز العنصري”، ولإعلاء دور “حقوق الانسان الدولية”، وهذا كله بلّور فكرة “الحياد الإيجابي”،والإنتقال بتجمّع الدول “الآسيو-أفروية” من تعبير جغرافي لا أهمية له إلى “رقم سياسي هام” أصبح له دورًا سياسيًا ضاغطًا في “الجمعية العامة للأمم المتحدة” تحت ظلال ” عدم الإنحياز”.
ولقد نجح الثلاثة الكبار “ناصر”، و”نهرو” [الزعيم الهندي] ، و”تيتو”[رئيس يوغوسلافيا القديمة التي تقسّمت بعد ١٩٩٠ الى ٧ دول]، الانتقال بـ”تجمع الدول الآسيو-أفروية من “تعبير جغرافي”لا أهمية له إلى “رقم سياسي” هام في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحت ظلال “فلسفة عدم الإنحياز” عن المعسكرين الغربي [الولايات المتحدة و”حلفها الأطلسي”]، والشرقي [الإتحاد السوڤياتي القديم وحلفه “وارسو”] في أصعب فترة إجتازها العالم منذ ١٩٤٥- ١٩٩٠ وهي فترة “الحرب الباردة” بين المعسكرين، التي سقطت في ١٩٩٠ بعد تفجير الإتحاد السوڤياتي إلى ١٥ دولة.
هذا، ولقد كرّمت “دول عدم الإطنحياز” التي عقدت مؤتمرها الأول في العاصمة اليوغوسلافية “بلغراد” ١٩٦١، “الزعيم ناصر” بانتخابه أمينًا عامًا لـ”حركة عدم الإنحياز” من ١٩٦٤/١٠/٥ حتى ١٩٧٠/٩/٨ ،حينما طلب “ناصر” إعفاءه من هذا المنصب، وبعد محاولات عديدة معه نزلت الحركة عند رغبته، وكان ذلك قبل ٢٠ يومًا من وفاته في ١٩٧٠/٩/٢٨