بقلم محمد فحيلي خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد
يعود الحديث اليوم عن إعادة هيكلة المصارف و/أو عودة الإنتظام إلى القطاع المالي. إن كانت النوايا حسنة، لا أستطيع توصيف مقاربة الحلول بالشيء ذاته!
ومن وحي ما حصل في ساحل كسروان من أيام قليلة(كفر حباب وجونية) أوضح الأخطاء في مقاربة الحلول للأزمة المالية.
يهطل في لبنان سنويًا حوالى 800 ملم من المتساقطات، أي ما يعادل 8200 مليون م3. هذه نعمة رب الكون على لبنان.
ومن المؤكد بأنها سوف تتحول إلى نقمة مدمرة وقاتله لو سقطت كلها في ليلة واحدة!
لماذا الإهتمام بنسبة هطول الأمطار؟ لأن هناك شبه كبير مع وضع أموال المودعين في المصارف إيداعاً وسحباً.
لو تم إيداع كل مليارات المودعين في يوم واحد، لما إستطاعت المصارف تحمل ذلك، وقد تتكبد خسائر كبيرة من إستقبال هذا الكم من التدفقات النقدية في يوم واحد. الشيء ذاته يحصل إذا سقطت طلبات سحب الودائع كلها في يوم واحد. لن تستطيع المصارف تلبية هذه الطلبات. وإذا، بفضل معجزة، إستطاعت المصارف تلبية هذه السحوبات، سوف تُحدث إرتفاع حاد ومفاجىء بالكتلة النقدية وسوف تُتَرجم ضغوطات تضخمية تضرب القدرة الشرائية بشكل موجع.
وهنا أهمية “الكذبة الكبيرة” التي يتم الكلام عنها في خطة التعافي المالي أو مقاربة الحكومة لحل الأزمة المالية في لبنان. الخطة لاتشبه التعافي، ونابعة من قراءة خاطئه للأزمة في لبنان.
هناك أزمة مالية وهي تراكمات لأخطاء حصلت على مدة 30 سنة. وهذه الأزمة، بسبب سوء إدارتها في العديد من المحطات والإستحقاقات، تسببت بأزمات متعددة الجوانب وتركت تداعيات كبيرة على القطاع المصرفي وعلى أموال المودعين. أي حل يؤدي إلى:
– الطلب على سحب الودائع كلها في ضربة واحدة (تشرين 2019)
– عدم سداد دين الدولة بضربة واحدة (آذار 2020)
وما تبعها من تداعيات وإقتراحات للحلول …
– عدم دفع توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان بضربة واحدة.
– شطب أموال المودعين في ضربة واحدة.
– دفع أموال المودعين بضربة واحدة.
كله يشبه هطول أمطار سنة كاملة بيوم واحد؛ سوف يكون قاتل لمؤسسات لبنان التجارية وعلى المواطن اللبناني.
المطلوب ليس الخطابات الرنانة والوعود الفارغة والحلول المستحيلة. المطلوب والممكن هو إعادة الحياة إلى الإقتصاد اللبناني والممر الإلزامي لذلك هو سلامة القطاع المصرفي وأموال المودعين. وهذا يعني شيء واحد، إعادة الحياة إلى الإقتصاد هي من إعادة الحياة إلى العلاقة بين المصارف والمودعين، وهنا يجب أن تنصب كل الحلول. التركيز يجب أن يكون على:
– وجود مؤسسات مصرفية قابلة للإستمرار في خدمة الإقتصاد اللبناني. القطاع المصرفي (بغض النظر عن عدد المصارف) المتمكن هو الممر الإلزامي لأي تعافي إقتصادي.
– توفير الموارد لمعالجة المصارف الغير قادرة على الإستمرار لتفادي تداعيات سلبية إضافية على المواطن المودع في هذه المؤسسات الهالكة.
– ترميم الثقة بين المصارف والمودعين حتى يطمئن المودع على أمواله “محل ما هي”، وبإستطاعته الوصول إليها لتمويل فواتير الإستهلاك.
– إهتمام الدولة بالمالية العامة وبإيراداتها ونفقاتها كشرط أساسي لإعادة هيكلة وجدولة الدين العام كله وتوزيع إلتزامات الدولة على جدول زمني جديد يعكس قدرتها على السداد.
– صب إهتمامات مكونات السلطة على إقرار وتنفيذ إصلاحات جدية وبنيوية لتجديد الثقة بالسلطة.