من قال ان المبدعين جماعة كبقية الأقوام والاجناس
أجميلٌ لا تحسب قصيدتي منة انا لست يوما للوفاء بناسٍ
قد جاءك الابداع في ايراده مترصعا بالدر والألماس
فارفل به واهنأ بما أعطيته ما كل من خاط الدمقس بكاسي
الى صديق العمر الدكتور جميل جبر مقاطع من قصيدة “الابداع” تحية محبة وتقدير من رفيق دربه الشاعر الوالد خليل نخلة، بهذه الأبيات الاربعة من مطولة شعرية نظمها والدي عام 1992 الى الرجل الذي رافق مسيرته الادبية والشعرية والفكرية طيلة خمسين سنة، أحببت ان أبدأ كلامي بالانسان الذي عايش والدي وعايشته مع وتأثرت بهما وتتلمذت على يدهما واحببت من كل قلبي ان أكمل المسيرة معه بعد غياب الاب. واذكر كلمة ما تزال تحفر في قلبي يوم الجنازة قالها لي جميل جبر: غاب خليل نخلة الوالد والشاعر وبقي لك جميل جبر السند الادبي والفكري الذي سيحافظ على الامانة وعلى الصداقة الصدوقة في آن.
مع جميل جبر تحتار من أين تبدأ، الاديب-الروائي، القاص، الناقد، الباحث،المؤرخ، المترجم.
تبدأ بها جميعها وتنتهي دون ان تفي الموضوع حقه. الكتابة عنده ليست مهنة انها بمنزلة الشهوة.فهذا الرجل استطيع ان اقول عنه: انه لا يكتب ليعيش ولا يعش ليكتب، بل يكتب ويعيش، فقد يحتاج المرء الى عمر ليعيش ولكن جميل جبر يحتاج اعمار ليكتب كل ما عنده من ثروة الكلام. ربما صام يوما عن الطعام ولكن الاكيد انه لم يصم لحظة عن الكتابة، فهي جوعه اللاهف وهي عنده عشق لا شفاء منه.
قد يتعب يوما ويحتاج الى ان يغفو ليرتاح وبعدها يجلس مجددا ليكتب عن الاحلام التي شاهدها خلال نومه المديد. كأني به يقول دائما: انا اكتب اذن انا أحيا. ما قصدته يوما إلا وجدته على طاولة يكتب، يؤلف، يقرأ، يحلل، يقارن في النهاية يدون كلمة الحق.
في الرواية كان خلاقاً وكان سباقاً بتسليط الضوء على واقع حال الشاب ابن الضيعة اللبنانية وبداية صراعاته مع ذاته ومع مجتمعه ومع تطلعاته البعيدة نحو الهجرة والمغامرة سعيا وراء ” الحوريات السبع في مغاور الزمرد والياقوت” على حد قول فؤاد سليمان وتجلى ذلك في روايتيه قلق وبعد العاصفة اللتان صدرتا منذ حوالي الخمسين سنة.
اما الابحاث التي قام بها وغاص في ادق تفاصيلها فحدث عنها ولا حرج، فهي تعد بالعشرات وله فيها الباع الكبير من جبران الى الريحاني الى مي في حياتها المضطربة كشف عبرها النقاب عن مبدعين كبار من لبنان ودخل اعماقهم وحلل ادبهم وفكرهم، فغدا مرجعا لكل طالب بحث.واذا كان فؤاد افرام البستاني قد غاص في سلسلة الروائع في تفاصيل الادب العربي القديم فان جميل جبر سد الفراغ الكبير في الادب العربي الحديث باصداره سلسلة ” ما قل ودل” التي كرسها لمجموعة من الادباء المعاصرين كنعيمة وغصوب وابو ماضي ولبكي والعشرات سواهم.
اما الدراسات التي قام بها عن مجموعة من رجال الفكر في لبنان والعالم العربي فهي لا تحصى، اذكر منها: دراسة عن بدر شاكر السياب الرجل والشاعر، سلسلة من الاديب الهندي والادب الالماني والادب المصري والادب الايطالي والادب العراقي والفارسي والاميركي. واستطاع من خلالها ان يعرف القارىءالعربي على اهم ما انتجته هذه الحضارات وجعل هذا الفكر العالمي في متناول الناس كل الناس شارحا ومحللا ومسلطا الضوء على تراث انساني عظيم.
يتبع غدا