تعود آفات الحياة في جمهرتها إلى علل تحرم الدقة و تُبدد الجهد و تعوق تسامي الروح و الجسد و العقل و القلب ، و تُواجه اللغة العربية تحديات جسيمة إزاء النقلة النوعية لمجتمع المعرفة فقد فرضت عليها ضرورة تلبية مطالب المجتمع الذي تلعب فيه اللغة دوراً محورياً في الوقت ذاته الذي تعاني فيه من أزمة حادة تنظيراً و تعجيماً و تعليماً و توظيفاً و توثيقاً ، و قد ظهر على صعيد البحث مدى حدة هذه الأزمة الطاحنة التي ترسخت حتى كادت تصبح عاهة حضارية تُلطخ الجبين . و في ضوء ما سبق بميسور المرء القول بأن فجوة العقل اللغوي هي الفجوة الأساس التي يلزم رأبها من أجل بعث الحياة في أوصال آلة الإنتاج المعرفي التي أصابها الشلل مع شح ما تنتجه من فلسفة و فكر و تقنية و فن ، و اللغة هي رابطة العقد بلا منازع في شكل خريطة المعرفة الإنسانية الشاملة و كذلك تُعتبر الفرع المعرفي الوحيد الذي ينفرد بشبكة من العلاقات الوثيقة تربطه مع جميع فروع المعرفة دون استثناء ، و لا يخفى بأن ردم فجوة العقل اللغوي أصبح مطلباً أساسياً كي لا يغرق الإنسان أمام السيل الجارف لتقنيات الإنترنت المتطورة و مُجمل وسائل التواصل الاجتماعي و الذي يحمل في طياته كماً هائلاً من البيانات اللغوية و هو ما يتعذر تقطيره معرفياً دون وسائل لغوية مبتكرة تُتيح النفاذ إلى أعماق النصوص للكشف عن نمط العلاقات المنطقية و التركيبات اللفظية التي تموج بداخلها مع التنويه هنا إلى دقة ملاحظة تقسيم فجوة العقل إلى مجموعة فجوات لغوية فرعية تتمحور في :
– فجوة العقل الفلسفي
– فجوة العقل النظري
– فجوة العقل التطبيقي
تنظر الفلسفة اللغوية إلى اللغة من جانب بصفتها إشكالية محورية في عمق الفكر الإنساني عموماً و من جانب آخر بصفتها أداة لا غنى عنها لصياغة السرد الفلسفي ، و تنشغل فلسفة اللغة بمجموعة أسئلة محورية أبرزها : كيف تُولد اللغة معانيها – كيف تتآلف و تتباين هذه المعاني و تتراكب مُشيدة معمار الخطاب اللغوي على اختلاف أشكاله و مقاصده ، و لا يخفى بأن الفلسفة كانت دوماً المنهل الأساسي الذي يلجأ إليه التنظير اللغوي في الجوانب الصورية للنحو و الصرف رغم بعض الإشكاليات و الملاحظات و منها على سبيل الذكر :
– علاقة اللغة بفلسفة المخ فيما يتعلق بمفهوم الوعي الذي ما زال زائغاً و حائراً بين جدران الموضوعية .
– علاقة اللغة بقدرات و خلفيات شتى المشاركين في ميدان الحدث اللغوي .
– علاقة اللغة بالفلسفة الاجتماعية وليدة مجتمع المعرفة .
تجدر الإشارة إلى أن بناء الفلسفة انطلاقاً من النظريات العلمية يمكن أن يُمثل فرصة مواتية لإحياء حوار شبه غائب حالياً عن الساحات الفكرية بين أعلام العلم و حكماء الفلسفة بُغية تسليط الضوء على دور العلم في الفكر الفلسفي بصورة منهجية منضبطة .
د. بشار عيسى / سورية