سبق أن أطلق لبنان وزارة جديدة فاسدة اسمها :”مكافحة الفساد”، لكنّ الدولة اللبنانية العلية محتها ومحقتها لأن جنائن الفساد مقيمة في ضلوع الحكام وعقولهم وارصدتهم في وطن لا مواطنين فيه وله، بل مجموعات شعوب لا حصر لها ولا عد تسابق نجوم السماء بتعددها و”زنطرتها” ووو………؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ولأنّ اللبنانيين المواطنين على ندرتهم وطيلة اعمار أجيالهم يحلمون بقاضٍ او فرقة من قضاة يمحقون الفساد والفاسدين ويعلنون الى اللبنانيين المقهورين والجائعين الجمهورية الجديدة الثالثة، لاح بل برز نجم غير منتظر اسمه “نادي قضاة
لبنان”( 24/2/2020) مطالباً بالمساءلة وتكريس دولة القانون. فرح الناس، وهللنا معهم وكتبنا وخطبنا ونشرنا باسم “التجمع الأكاديمي للأساتذة الجامعيين في لبنان”، واجتمعنا بهم وشجعنا الدنيا على تقديم الإخبارات وفتح الملفات المتراكمة بما يتجاوز حجم تلك الجمهورية بخصوص جرائم الفساد والإثراء غير المشروع وتأملنا كثيرا وتألمنا ونتألم أكثر.
وهللنا عندما السيد حسن نصرالله الحرب على الفساد والفاسدين ، وعين النائب حسن فضل الله قيما على تحضير الملفات، وفرحنا لكننا توشوشنا في ما بيننا ان القضاء على الفساد اصعب واشرس واعقد من القضاء على العدو مهما كان شرس، وكتبنا هذا وهكذا كان وأمسى واصبح وما زال وما فتيء وما برح الفساد يلتهمنا فردا فردا…ويوظف كان واخواتها اب الماضي والمستقبل.
صفقنا عندما بدأ النادي الذي كانت رئيسته الاولى القاضية نادية سلامة، ينضمّ ولنقل يجذب انتباهات أكثريّة اللبنانيين المتخبّطين مالياً وإقتصادياً ونقدياً وصحيا معتبرين “أنّ الازمات التي يواجهها الشعب اللبناني وليدة فساد معظم الحكام ومنظوماتهم القضائية والمصرفية والادارية والأمنية العتيقة الفاشلة عن التفكير بأيّة رؤية انسانية اقتصادية هادفة” لتخليص وطن مشاع ومشلع بين انياب الذئاب الكاسرة التي لا مثيل لها في التاريخ.
ولأنّ اللبنانيين يحلمون بقاضٍ مخلّص، جذبهم النادي القائل والمطالب يومها بإصدار قانون يجمّد الاصول المنقولة وغير المنقولة لكل المسؤولين من دون تمييز عن السياسة النقدية ضمانة لودائع الشعب اللبناني الذي وقع ضحية جشع المفترسين الفاسدين من الطبقة السياسية.
حمّل النادي، لأوّل مرّة في تاريخ لبنان، الهيئات الرقابية المصرفية، لا سيما هيئة التحقيق الخاصة مسؤولياتها وأوعز الى هؤلاء ضاغطا بتقديم استقالاتهم، اذ لا يمكن ان تمنع أو تحول الحصانات القانونية التي يتمتعون بها دون مساءلتهم، للإتيان باشخاص أصحاب صدقية وسمعة عالية. وأكثر ، راح القضاة يحفّزون هيئة التحقيق الخاصة المباشرة بالتحقيقات اللازمة في ما يتعلق بحسابات الذين تولّوا الشأن العام وإعلام الرأي العام بالتفاصيل. وكذلك إلزام أصحاب المصارف اللبنانية بإعادة الأموال المهرّبة إلى الخارج ورفع رساميل مصارفهم خلال فترة قياسيّة على ان يتم ذلك من أموال جديدة (fresh money) وليس باستبدال قيود حسابية لا تحقق النتيجة المرجوة. واعتبر النادي أنّ المحاكم الجزائيّة والنيابات العامّة، وليس المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مختصة هي بملاحقة ومحاكمة الوزراء بالجرائم العادية المقترفة خلال ممارستهم لمهامهم، إستناداً لاجتهاد الهيئة العامة لمحكمة التمييز (الصادر بتاريخ 8/3/2000).
ولأنّ لبنان يشبه إيطالية في سرد “ثقافة الفساد”، عاش اللبنانيون نشوة بدايات التغيير السحري، وهم يتناقشون ويستعيدون تذكر الفضائح التي هزّت إيطالية في ال 1994 التي دفعت الإيطاليين إلى تسمية عاصمتهم روما “مدينة الرشاوى” وهو ما لم يهزّ زعامة رئيس حكومتهم “ملك الفساد”، سيلفيو برلسكوني الثري رقم 14 في أنحاء العالم من العودة إلى الحكم في ال2001 قائلاً بأنّه ” ضحّى ويضحّي ويسدي خدمات للشعب والدولة وهم بحاجةٍ قصوى إليه، وهو بالمقابل ليس بحاجةٍ إلى أيّ منصب أو سلطة”.
وحتّى عندما طرده الشعب من منصبه بعد خمس سنوات، مثبتاً للعالم الشعار المقدّس بأنّ أضخم الثروات عاجزة ومحدودة في حماية الفاسدين وإبقائهم في مناصبهم، علّق بالحرف الواحد مكابراً، وكان إقتصاد إيطالية ينهار تحت قدميه:
“إنّ شعوراً أعمق ينتابني بأنّني لست بحاجةٍ إلى الشعب الإيطالي. هو بحاجةٍ إلي وإنّني أقدّم له اليوم بخروجي كما بدخولي إلى الحكم تضحية تاريخية”.
ولأنّ اللبنانيين وكأنهم يتماهون بالقضاء الإيطالي، وتتشبّث بأحاديثهم حتى اليوم، بسيرة القضاء الذي أعلن الحرب على الفساد (1992)، وقضى عليه حين اكتشف أثناء إحدى التحقيقات تورط بعض السياسيين في قضايا رشوة. توسّع في التحقيق ليجد نفسه حيال شبكة ضخمة يتورط فيها شخصيات من كل الوظائف والمستويات، وزراء ومدراء شرطة، مدنيون وعسكريون، ديبلوماسيون، رجال أعمال وزوجاتهم وأولادهم وأصهرتهم وأزلامهم .
اتخذ القضاء قرارات بتوقيف كل المتورطين مهما كانت مناصبهم، وشملت الاعتقالات ٥٠٠٠ شخص بينهم أكثر من ١٠٠٠ من رجال الدولة والسياسة من وزراء في الحكومة ثم رئيس الوزراء الذي هرب لتونس ليقضى هناك بقية حياته. كان القضاء يحارب بل يلغم دولة بأكملها، وقد أضاف لقائمة أعدائه عصابات المافيا مطلقاً على العملية تسمية “الأيادي النظيفة”.
هبّ الايطاليون كالمجانين لحجم الفساد الذي اكتشفوه ، وخرجوا في مظاهرات تدعم القضاء وتعتبره مخلّصاً غنى له الإيطاليون جميعا في ملاعب الكرة مع شعار “ جعلتنا ايها القاضي نحلم”..
تحوّل القضاء أسطورة ايطالية حية ألهبت المحللين والكتّاب في الدنيا.
وعندما سئل القضاة يوماً كيف قاموا بتلك “المعجزة وقد يدفعون حياتهم ثمناً لذلك، قال القاضي دي بييترو مازحا :
“يشبه الفساد زواج المصلحة. إذا أفسدنا المصلحة يبطل الزواج ويصبح الأحبة أعداءً يدمّر بعضهم بعضا.
دخل دي بييترو تاريخ إيطاليا ملغياً منظومة عمرها أربعون سنة وتسبب أيضا في إفناء أحزاب تاريخية، وعلى يديه انتهت الجمهورية الإيطالية الأولى لتعلن الجمهورية الثانية.