على وقع التحضير لخطة التعافي الاقتصادي تمهيداً للمباشرة بالمفاوضات الرسمية المُرتقبة مع صندوق النقد الدولي، أثيرت التأويلات والآراء المتضاربة حول توظيفات المصارف في مصرف لبنان حتى تم اعتبارها بمثابة خسائر لامست 69 مليار دولار، وكَثُرَت ملامة المصارف كونها هي التي وظّفت بمحض إرادتها فوائض ودائعها بالعملات لدى مصرف لبنان «طَمَعاً بالفوائد العالية» كما تردّد. هذا الواقع دفع بالأمين العام لجمعية مصارف لبنان الدكتور مكرم صادر إلى اعتبار أن «مسؤولية السياسة النقدية لا تنحصر بأشخاص بل بمؤسسة المجلس المركزي لمصرف لبنان أي الحاكم ونوابه بالإضافة الى مدير عام وزارة المال ووزارة الاقتصاد يضاف اليهما مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان. وطبعاً خلال الفترة 1993 – 2021 لم نسمع ان أحداً من ممثلي الحكومة قد سجل اعتراضاً على السياسات النقدية التي كرّستها تعاميم البنك المركزي. ما يعني ان المسؤولية الأساسية تقع على سياسات الحكومات المتعاقبة بالدرجة الأولى ثم على المجلس المركزي لمصرف لبنان ثم على المصارف وأخيراً على المودعين. وليس واضحاً كيف سيترجم هذا التدرّج بالمسؤوليات تدرّجاً في توزيع الفجوة المالية لدى البنك المركزي. ويخشى تحميلها في النهاية للحلقة الأضعف مقارنةً بسلطة الدولة أي لمساهمي المصارف ولكبار المودعين إزاء أوضاع الخزينة والبنك المركزي».
في السياق، يوضح رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل انه «إذا أردنا التسليم لمبدأ الفجوة المالية بغضّ النظر عن الرقم، فسيدفع ثمنها المصارف والمودِعون على السواء، ما يعني أنهما في خندقٍ واحد… وبالتالي إن هدف المصارف إعطاء المودِع حريّة التصرّف بودائعه. لكن ذلك مرتبط بعامل التعاون ما بين المكوّنات كافة المعنية بالموضوع، وبالتالي لا يمكن تحميل القطاع المالي المسؤولية والكلفة ومساءلته كيفية استرجاع المودِع لودائعه!
ويلفت إلى أن «السلطات تعتبر تلك التوظيفات بمثابة خسائر بقيمة 69 مليار دولار، فكيف تكون كذلك وهي في النتيجة ودائع؟!»، ويتابع: «إذا تعهّدت الدولة بسداد التزاماتها وديونها، يعود لكل ذي حق حقه، هذا الخيار الأول. أما الخيار الثاني، إن ما يُسمّى بالفجوة المالية أظنّ أنها تشكّل الفارق بين الودائع في المصارف التجارية بالدولار الأميركي والبالغة 105 مليارات دولار في أواخر تشرين الأول 2021، وبين احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية زائد احتياطي الذهب». ويُشير إلى «قائمة تعاميم أصدرها مصرف لبنان حَوَّلت سيولة المصارف إلى البنك المركزي وأحد أسبابه الرئيسية تأمين استمراريّة الاستقرار النقدي، فالاستقرار المالي على رغم الاختلالات المالية العامة، ثم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي». بحصيلة كل هذه التعاميم والسياسات التي أصدرتها ومارستها السلطة النقدية يظهر بوضوح ان ايداعات المصارف بالعملات واكتتاباتها بشهادت الإيداع لآجال طويلة لم تكن اختيارية. والقول ان المصارف حصدت منها فوائد مرتفعة ايضاً هي مقولة غير دقيقة.