أورد التقرير الفصلي لبنك عوده أنّ الفصل الثالث من العام 2021 شهد خرقاً نسبياً مع تأليف حكومة جديدة مكوّنة من 24 وزيراً من ذوي الاختصاص برئاسة نجيب ميقاتي، مهمتها الإشراف على الانتخابات النيابية، إرساء برنامج مع صندوق النقد الدولي وإطلاق الإصلاحات المنتظرة واجتذاب الدعم الدولي. وفي حين يشكل التأليف الحكومي بحدّ ذاته خرقاً مهماً بعد 13 شهراً من المراوحة السياسية، تستمر التحديات الجمّة في ظل نقاط ضعف هيكلية واختلالات مالية كبيرة وضبابية في المشهد السياسي والاقتصادي.
على صعيد الاقتصاد الحقيقي، من المتوقع أن ينكمش الناتج الإجمالي المحلي الفعلي بنسبة %11 في العام 2021 بعد أن كان قد سجّل انكماشاً نسبته %25 في العام2020 . ولا يزال الضعف في الاستهلاك الحقيقي مستمراً في ظل الهبوط الحاد في المداخيل الحقيقية للأسر. في موازاة ذلك، يشهد لبنان غياباً للاستثمار، حيث بلغت المجاميع الاستثمارية أدنى مستوى لها منذ الحرب الأهلية. في المقابل، فإنّ إنفاق الدولة لم يعوّض عن ذلك بسبب اعتماد سياسات التقشف نتيجة الاختلالات في المالية العامة.
على صعيد القطاع الخارجي، أظهرت إحصاءات المصرف المركزي عجزاً في ميزان المدفوعات بقيمة 1.6 دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام 2021 مقابل عجز قيمته 9.6 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق، في إشارة إلى تردي الحساب الخارجي على نحو أقل نسبياً. وقد استعادت السياحة بعضاً من زخمها هذا العام انطلاقاً من قاعدة ضعيفة في العام السابق، حيث ارتفع عدد المسافرين عبر مطار بيروت بنسبة %78.3 سنوياً خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2021. في حين سجلت الواردات مراوحة نسبية هذا العام، تراجعت الصادرات بنسبة %23 سنوياً لتبلغ زهاء 699 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2021 )آخر الإحصاءات المتوفرة(.
على صعيد الوضع النقدي، تقلصت الاحتياطيات بالنقد الأجنبي لدى مصرف لبنان بمقدار 5.3 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2021 في ظل تدخل المركزي في سوق القطع، وتمويل استيراد المنتجات الأساسية. هذا ويكون لبنان قد رفع غالبية الدعم عن المواد الأساسية المستوردة، لتبلغ فاتورة الدعم أقل من 1 مليار دولار مقابل فاتورة بـ 5مليار دولار في العام السابق. في موازاة ذلك، تلقى لبنان في 16 أيلول زهاء 1.139 مليار دولار من صندوق النقد الدولي بدل حقوق السحب الخاصة به 860) مليون دولار عن توزيع لمخصصات حقوق السحب الخاصة للعام 2021 و 275مليون دولار عن توزيع العام2009 )، علماً أنه لم تفرض أي شروط إصلاحية عند التوزيع. وقد أسفر ذلك عن ارتفاع موازٍ للاحتياطيات من النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان. في ما يتعلق بالتضخم، من المتوقع أن يؤدي رفع الدعم إلى ارتفاع إضافي في الأسعار بنسبة %125 بين حزيران 2021 وكانون الأول2021 ، يضاف إلى تضخم نسبته %314 سجّل بين حزيران 2019 وحزيران2021 .
على صعيد القطاع العام، أظهرت آخر الأرقام المتوفرة للأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري تقلصاً في عجز المالية العامة بنسبة %62.4 لتبلغ زهاء 993 مليار ليرة، نتيجة انخفاض النفقات العام بنسبة %19.0 وارتفاع الإيرادات العامة بنسبة 5.1%. عليه، تراجع العجز المالي من %35.8 من النفقات في الأشهر الأربعة الأولى من العام2020 إلى %16.6منها في الأشهر الأربعة الأولى من العام2021 . يجدر الذكر أن أرقام المالية العامة لا تزال لا تعكس حقيقة الوضع المستجد وذلك نتيجة استخدام سعر الصرف الرسمي في العديد من بنود الإيرادات والنفقات.
على صعيد القطاع المصرفي، استمر تقلّص الودائع والتسليفات، وإن بدرجة أقلّ منه في الفترة ذاتها من العام 2020 إذ تقلصت ودائع الزبائن بقيمة 6.7 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام 2021 (-4.8%) بالمقارنة مع تقلص أبرز قيمته 16.7 مليار دولار في الفترة عينها من العام 2020. وانخفضت التسليفات الممنوحة للقطاع الخاص بقيمة 6.2 مليار دولار سنوياً بالمقارنة مع تقلص أكبر قيمته 11.2 مليار دولار في الفترة نفسها من العام 2020. ولا تزال دولرة الودائع والتسليفات تتجه في اتجاهين مختلفين، حيث ارتفعت دولرة الودائع إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بنسبة %80.0 بينما تراجعت دولرة التسليفات إلى أدنى مستوياتها بنسبة %58.2 في نهاية أيلول 2021. هذا وتتكبّد المصارف اللبنانية خسائر لافتة نتيجة الأكلاف اللافتة في عمليات القطع (الفارق بين سعر صرف 3900 المحدد في تعميم مصرف لبنان 151 وسعر الصرف الرسمي البالغ 1507.5 ل.ل.)، وارتفاع النفقات التشغيلية المرتبطة بزيادة التضخم إضافة إلى رصد المؤونات تجاه مخاطر الدولة والقطاع الخاص على السواء.
أما في ما يتعلّق بأداء أسواق الرساميل اللبنانية، فإن أداء سوق الأسهم لم يعكس الكساد الاقتصادي خلال العام. إذ ارتفع مؤشر الأسعار بنسبة %43 فقي الأشهر التسعة الأولى من العام 2021 مدعوماً بزيادات في أسعار اسهم “سوليدير“ بنسبة %58 وسط مساعي المتعاملين لتجنب أي اقتطاع على توظيفاتهم المالية. ويأتي ذلك في ظل ارتفاع سنوي نسبته %59 في أحجام التداول، من 185 مليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 إلى 295 مليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام2021 .