في خمسة أيام “من صباح الاثنين ٢٠٢١/٣/٢٩ إلى مساء الجمعة ٢٠٢١/٤/٣” بهرت “مصر التاريخ” العالم بحدثين تحدثت فيهما عن نفسها قائلة مع شاعر النيل “حافظ ابراهيم” في رائعته الشعرية” مصر تتحدث عن نفسها” والتي شدت بها كوكب الشرق “السيدة أم كلثوم” في عام ١٩٥١:
“وقف الخلقُ ينظرون جمـــيــــــعًا كيف أبني قواعد المجدِ وحدي.
وبُناة الأهرام في سالف الــدهـــرِ كفوني الكــلام عـنــد التحــــــدي.
أنا تاج العُلاء في مفــرق الشــــر قِ ودُراتــه فـــرائـــــــد عـــقـدي.
أنا إن قــدر الإلهُ ممـاتي لا تــرى الشرقَ يرفـــع الرأسَ بـــــعــــدي.
إن مجــدي فــي الأوليات عريــقٌ مـــن لــه مثـــل أولياتي ومجدي.
نظــر الله لــــي فــأرشــــد أبنــــا ئي فشـدّوا إلــى العـُـــلا أي شـد.
فقفوا فيه وقفة الحزم وارمـــــوا جـــانبـــيه بعــــزمـــة المستعــــد”
الحدث الأول كان صباح يوم الإثنين ٢٩ الماضي، وهو تأكيد أباء مصر على أن “قناة السويس” هي شريان الحياة الوحيد الآمن للتجارة العالمية بين الشمال والجنوب ، فصباح ذلك اليوم عادت إلى العالم أنفاسه، بعد نجاح الأيدي المصرية في تعويم السفينة البنمية العملاقة الجانحة (التي سدت القناة بخطأ بشري من ربانها)، من دون تفريغها، وهي سابقة تاريخية في تعويم السفن الجانحة.
والحدث الثاني الذي أبهر العالم كان في مساء يوم الجمعة الماضي ٢ الجاري ، وهو الموكب الذهببي التاريخي لـ٢٢ ملكًا وملكة من حكام مصر القديمة من الأسيرات ١٧ و١٨ و١٩ و٢٠ (١٨ ملكًا و٤ ملكات) ، من الذين قدموا الانتصارات لـ”مصر التاريخ” ، والذين كفوا مصر الكلام عند التحدي ، وحافظوا عليها بقوة شعبها وإرادته ، فبقيت “مصر” بهذا الشدّ الوطني إلى العُلا هي التاريخ، والتاريخ جاء بعدها.
ومن هنا واستنادًا إلى الماضي البعيد والقريب أُفسّر رسالة الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” في ٣٠ الماضي التي وجّهها إلى من يتحدى “مصر التاريخ” في “أمنها القومي الاستراتيجي”، حينما قال “المساس بحصة مصر من مياه النيل خط أحمر، واللي عايز يجرّب يجرّب”.
والحدث الأسطوري التاريخي غير المسبوق والذي تابعته أكثر من ٤٠٠ كاميرا تلفزيونية عالمية ، واهتمت بتغطيته جميع الصحف العالمية الكبرى ، وشاهده العالم أجمع مباشرة مبهورًا به ، لأنه ربط الماضي بالحاضر في مشهدية غير مسبوقة، ربطت الماضي بالحاضر، وأعادت كتابة تاريخ “مصر القديمة” ليتعرّف عليه من لا يعرفه،
وذلك حينما عبرت 22 مومياء لملوك وملكات مصر القديمة (وقد عُثر على معظم هذه المومياءات في خبيئة الدير البحري غرب مدينة الأقصر “طيبة اسمها القديم” ، في جنوب مصر بين عامي ١٨٨١ و١٩٣٠ ، ومعظمها كنت في توابيت من خشب الأرز ، وهذا ما يؤكّد على أن لبنان كان في قلب مصر، كما مصر في قلب لبنان منذ القدم).
وذلك حينما مرّت هذه الــ٢٢ مومياءات، في موكب مهيب من المتحف المصري في ميدان التحرير بالقاهرة الذي تزيّن بالأنوار غير المسبوقة، إلى مراقدها الجديدة في المتحف القومي للحضارة المصرية في مدينة “الفسطاط”، وهي تقع على الجزء الشمالي الشرقي لنهر النيل، وتبعد عن القاهرة حوالى ٣،٢ كلم (وهي أول مدينة بناها العرب في مصر ٦٤١م، شيّدها “عمرو بن العاص”) ، وهذا الموكب الذهبي التاريخي لن يكون الأخير من نوعه ، فهناك مواكب جديدة ستتبعه.
وهكذا اختلطت في هذين الحدثين، خصوصًا في الثاني، نداءات المصريين ومعهم أمتهم العربية من المحيط إلى الخليج ، بصوت انفجارات طلقات الزينة التي غطت السماء وصمت الآذان ، ثم توّجت هذه الـ٤٠ دقيقة ذهبية ، بشروق شمس يوم جديد لوطن عتيد جديد منذ “ثورة ٢٠١٣/٦/٣٠”، فتفتق الأفق المصري بصوت شعبه الرائع العجيب المصمّم العنيد ، ملونًا سماء “عظيمة يا مصر يا أرض النعم* يا مهد الحضارة يا بحر الكرم” ( وهي الأغنية التي صدح بها صوت الجبل الفنان اللبناني القدير المبدع ” وديع الصافي” من القاهرة في ١٩٧٦ محييًا بها حرب أكتوبر الدفاعية ١٩٧٣) ، من القاهرة.
ولوّن صوت الشعب المصري في ليلة الجمعة الماضي ، ملونًا سماء “مصر التاريخ” كلها بألوان الصوت الجهوري المُنادي بالكرامة والسلام والبقاء والنماء، التي تنتزع ولا تُهدى، وإنما تؤخذ غلابًا حفاظًا على “مصر التاريخ” دولة للسلام وليس للحرب ، تسالم من يُسالمها وتُعادي من يُعاديها..
ولتعود شمس مصر كما صدحت السيدة “فيروز” (سفيرة “لبنان الذي كان” إلى النجوم) ، في حديقة “الأزبكية” بالقاهرة بأغنيتها الشهيرة عام ١٩٧٦ احتفاء بحرب أكتوبر الدفاعية ١٩٧٣ (مصر عادت شمسك الذهب).
هذه هي “مصر التاريخ” التي ظن البعض أحيانًا أنها هانت أو توعكت ما بين ٢٠١١/١/٢٨ و ٢٠١٣/٦/٣٠ ، ولكن أبدًا إنها دُرّة الشرق، كما يراها العالم،.
هذه هي مصر وهؤلاء هم العرب وهذه هي العروبة تنتشي بألوان الفرحة المصرية التي عانقت السحاب مع أجنحة الثقافة والحضارة في هذه الأيام الخمس.. في “عظيمة يامصر” التي “عادت شمسك الذعب” منذ ٢٠١٣/٦/٣٠..
يحيى أحمد الكعكي