في سياق منتديات الكتاب قراءة ومناقشة، أقامت هيئة الكتاب في جمعيّة “معًا نُعيد البناء”، بتاريخ ٢٨ تشرين الأوّل المنصرم ٢٠٢٠ في قاعة المدبّر يوسف الشدياق في دير مار أنطونيوس الحدت – بعبدا، ندوتها الثانية لهذه السنة تحت عنوان “الأمير فخر الدّين ضيف آل ميديسيس”. افتُتِحَت الجلسة بالنشيد الوطني اللّبنانيّ، وأدارت الندوة الدكتورة كريستيان صليبا، المنسّقة العامَّة في الجمعيّة، مُرحِّبةً بالحضور وبالمنتدين ومُركّزةً على أهميّة العمل الثقافي المُشترك كطريق للبناء معًا، وقدّمت نبذة عن أهداف الجمعيّة التي، مِن أهمّها، التلاقي والعيش المشترك مع كلّ الأطياف، واعتماد الثقافة والانفتاح كوسيلة لذلك. وركّزت على أنَّ الثقافة تبقى المساحة التي تُنقذ الوطن. وشكرت المعهد الأنطونيّ ورئيس دير مار أنطونيوس الحدث – بعبدا، الأب المدبّر نادر نادر للمشاركة واستضافة الندوة. وأشادت بدور جامعة الروح القدس الكسليك التي تحافظ على التراث والفكر اللّبنانيّ من خلال مركز فينيكس للدراسات اللّبنانية وشكرت مديرها الأب جوزف مكرزل للمشاركة في هذه الندوة.
من جانبه قال الأب نادر نادر “هذا اللّقاء يُعتَبَر لقاءً تاريخيا في هذا الزمن الرديء رغم التباعد الإجتماعي الحاصل بسبب جائحة كورونا. هو تحدّي ببادرة مِن الأب مارون عطاالله الدائم الحركة”.
بدوره قال كارلوس يونس، المدير المساعد لمركز فينيكس للدراسات اللّبنانيَّة: “حِفْظ تاريخ لبنان، بالنسبة للبعض، هو ترف ثقافيّ. أمّا جامعة الكسليك تَعتبره واجب وطني عبر المحافظة على أرشيف الأدباء والمفكّرين والفنّانين. كأرشيف كميل شمعون، وفؤاد شهاب، ويوسف بك كرم، وجبران خليل جبران، وبيار صادق، وغيرهم. الأهمّ المحافظة على الماضي والتطلّع نحو المستقبل”.
اما الدكتور بطرس لبكي، فصرح: “فخر الدّين أمَّنَ الطمأنينة والمساواة لجميع الأديان، وتقرَّب من الدول الأوروبيَّة ووقّع على اتّفاقات تجاريّة وسياسيّة وعسكريّة، ممّا أقلق السلطان العثماني، فجرَّدَ حملة عسكريّة ضدّه، أجبرته على الهجرة إلى إيطاليا والتعرّف على ثقافة عصر النهضة. فاستقدم المهندسين والمعماريين والمزارعين والفنّانين حين عودته إلى إمارته في لبنان عام ١٦١٨”.
بدوره تطرق أنطوان بولاد الى كتاب كارول داغر ووصفه: ” انه قصّة مكتوبة بقوّة الشعر. تجد فيه الصوَر الأدبيّة في كلّ المقاطع، فتبدو العبارات الشعريّة بطريقة واضحة جميلة ومليئة بالموسيقى. فكرة “دسمة” في عبارة صغيرة، في صفحة. هذه القدرة لإثارة أفكار كبيرة في جمل صغيرة. إنَّه من نوع Roman poétique”.
د. حارث البستاني، صرح قائلا:”سعى فخر الدّين ليجعل من لبنان وطن العدالة الاجتماعيّة. فاستفاد من كلّ المكوّنات والطاقات البشريّة دون تمييز أو إستثناء. انفتح على الغرب وأقام أوَّل مطبعة في دير مار أنطونيوس – قزحيّا. طبّق المناهج التربويّة في المدارس التي أقامها، بالإضافة إلى إنجازاته في فنّ العمارة”.
اما الأب الدكتور بديع الحاج، فذكر :” ان دور الفنّان يتخطَّى التاريخ لينسج خيوطه من جديد. هكذا فعل الرحابنة في مسرحيّة جبال الصوّان. وهكذا فعلت كارول داغر في كتابها، فعكست وجه فخر الدّين الثقافي والفنّي. اتحفنا الأب الحاج بدراسة موسيقيّة. اللّحن فيها أبلغ من الكلام تنطلق من “أنا السيف وأنت الغنِّيَّة” لتصل إلى انتصارات عنجر ثمّ ّالخيانة. ولكن يبقى العنفوان يعجّ بذكرى فخر الدّين”.
الكاتبة كارول داغر، قالت: “منذ زمن فخر الدّين حتّى يومنا هذا ما زال اللّبنانيون يسعون لبناء هويَّتهم. فخر الدّين وُلد درزيًّا وتربّى في مناخ مارونيّ. وكأمير حَكَم، ومارس الشرع الإسلامي، كان واعيًا على المشكلة الطائفيَّة والمناطقيَّة. فأوَّل ما عمله كان توحيد اللّبنانيّين. فأدخل في جيشه كلَّ الطوائف والمذاهب. وكانت هذه سابقة في ظلّ السلطنة العثمانيّة. كان يتابع أخبار إمارته بكلّ تفاصيلها. وبنى وطنه على المستويين السياسي والثقافي. فكم نحن اليوم بحاجة إلى أن يأتي فخر الدّين آخَر”.
ثمّ افتُتِحَ باب النقاش وكانت هناك مداخلات لكلٍّ من: روني ألفا، إيلي الخوري، د. عماد فغالي، د. يوسف كمال الحاج، فادي صليبا، محمّد المجذوب، الأباتي أنطوان ضوّ، وغيرهم. واختتم الحفل الأب مارون عطاالله بكلمةٍ قال فيها للكاتبة كارول داغر: “قبل متعة هذه الأُمسية، كانت متعة قراءة كتابك طوال أسبوعين غبطة لا تجاريها أيُّ غبطة، أنا أُدَوّن هذه الكلمات إيفاء لكِ لبعض دينٍ، راجياً أن تُقَدِّم كلمتي هذه، الكتاب في مرماه وفي خلاصته”.
تخلّل الاحتفال وصلة موسيقيّة للأب جان جبور غنّى فيها أغنية “يا ساكن بالعالي” مع عزف منفرد على العود.
وكانت التواقيع، فتبخَّرت الكتب. سجّل مبيع في مكتبة أنطوان ما يقارب ١٥٠ كتابًا.